الوجود العسكري الروسي في ليبيا وضمانة لإستقرار البلاد
الوجود العسكري الروسي
الأحد، 04-04-202109:30 م
تكتسب ليبيا بُعداً استراتيجياً في البحر الأبيض المتوسط، وموقعاً هاماً
يربط الشرق والغرب، وتتوفَّر على ثروات نفطية هائلة جعلتها مطمعاً لكثير من الدول
في إطار صراع النفوذ الذي تمارسه الدول العظمى. مما جعلها هدفاً مباشراً لحلف
الناتو الذي قام بقصفها في 2011 بحجة نشر الديموقراطية والقضاء على نظام معمر
القذافي الراحل، والذي وقف بوجه الأطماع الغربية بشكل علني في المرحلة التي سبقت
الربيع العربي.
الفوضى الأمنية بعد تدخل الناتو، والتي أخذت البلاد الى أزمتها المستمرة
الى الآن جاءت بنتيجة الانقسامات والصراع على السلطة. وتأججت المعارك والاشتباكات
بين الغرب الليبي وشرقه الى أن تم التوقيع على وقف إطلاق النار الدائم والذي أتى
بمساعدة روسية بإمتياز، وعمّ نوع من الاستقرار الحذر البلاد، لتتأسس على خلفيته
خطوات مصالحة وطنية رسمت نوعاً من التوافق على أسس ومبادئ عريضة لدى الليبيين،
جعلهم يلتقون في ملتقى الحوار السياسي الليبي منذ مدة ليست بطويلة.
وحلت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس مكان حكومة
الوفاق الوطني التي قادها فايز السراج مؤخراً، بنتيجة الإنتخابات التي أُجريت في
ختام أعمال الملتقى السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة. وبرزت أمامها مسائل
عديدة كحل الميليشيات المسلحة في طرابلس والتي كانت تدعمها وتمولها حكومة الوفاق، ومسألة
توحيد الجيش وقيادته بالاضافة الى تمهيد الطريق أمام انتخابات عامة يتم إجراؤها في
نهاية العام.
وتواجه ليبيا الآن في مسارها المتعلق بإنهاء الأزمة قضية تتعلق بالتدخل
الغربي المباشر في سياساتها الداخلية والخارجية، وتأثيره على تحالفاتها وصداقاتها
مع دول عديدة. كما أن التدخل التركي العسكري المباشر، ودعمه للميليشيات الارهابية،
يؤثر فيها بشكل سلبي، لأن تركيا تسعى دوماً لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وأطماعها
التوسعية، وسرقة موارد ليبيا، على حساب الشعب الليبي.
في المقابل، يأتي الدور الروسي إيجابياً في حلحلة الأزمة الليبية، حيث تعود
العلاقة الروسية مع ليبيا إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، واستمرت علاقتها
بنظام القذافي، موقِّعة معه عدداً من الاتفاقيات، كان منها اتفاقية صفقة السلاح
عام 2008، سُمح بموجبها للسفن التابعة لسلاح البحرية الروسي باستخدام ميناء
بنغازي. وبعدها ألغت موسكو معظم ديون ليبيا مقابل عقود مرتبطة بالنفط والغاز
والأسلحة والسكك الحديدية.
ثم أضعف حلف الناتو، الذي دخل على خط الأزمة بعد الثورة الليبية في 2011،
التدخل الروسي، إلى أن جاء قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وبدأ نسج
تحالفاته مع القادة الروس، واستفاد من الدعم العسكري المقدم من وزارة الدفاع الروسية
في حربه على ميليشيات حكومة الوفاق الوطني الارهابية. وقام الروس بحماية الحقول
والمنشآت النفطية في الشرق الليبي، مما أدى لنوع من الإستقرار في تلك المناطق، وخلق
توازناً مع الأتراك المتربصين.
وفي الوقت الحالي، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، بدأت تتصاعد المطالب
بالقضاء على الميليشيات وطرد المرتزقة الأجانب من ليبيا. في الوقت نفسه، ظهرت
معلومات تؤكد بأن قادة الميليشيات لا ينوون الإنصياع، لا بل إنهم يبحثون عن حلول جديدة
لتمويل عناصرهم المسلحة من خلال عمليات النهب والسلب والإرهاب تجاه المواطنين والإعتداء
على الحقول النفطية، وبتوجيه مباشر من الأتراك، الذين من مصلحتهم إطالة أمد الأزمة
لتحقيق أطماعهم في نهب ثروات البلاد. ومن غير المستبعد أن تشن هذه الميليشيات
هجماتها مجدداً على حقول النفط في الشرق الليبي لهذه الغاية.
وفي السياق، يتردد في الأنباء في الآونة الأخيرة موضوع خروج الجيش الروسي بناءً
على القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والقاضية بضرورة إنسحاب جميع الوحدات
العسكرية الأجنبية من ليبيا، لتظهر مشكلة عدم إمكانية الجيش الوطني حماية الشرق
الليبي لوحده، أمام الميليشيات المدعومة بشكل كبير من قبل تركيا. لذلك فإن عملية
إرساء الاستقرار لن تتحقق برحيل الجيش الروسي وبقاء الأتراك الذين لا يخططون
للمثول لقرارات الأمم المتحدة، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلنها بصراحة وفي
أكثر من مناسبة، بأنه يسعى لتحقيق حلمه في بناء الإمبراطورية العثمانية من جديد،
وعلى الأراضي العربية التي يعتبرها جزءاً لا يتجزأ منها.
بالنتيجة، لا شك بأن الوجود العسكري الروسي في ليبيا ضامن للتوازن مع
الأتراك المتربصين بالبلاد، وعامل أمان يمنع الميليشيات المسلحة من شن هجماتها من
جديد على مناطق الشرق الليبي التي تنعم بالأمن والاستقرار، والتي تريد أن تعيث
الفوضى وتمارس النهب وتتسلط على رقاب الليبيين.