الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 19:27 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الكهف والعزل

هالة الدسوقي
تحوي سورة الكهف ، التي يقرأها أغلبنا يوم الجمعة، فكرة العزل، التي تعتبر المخرج الوحيد للبشر حول العالم من فتك فيروس كورونا بهم، وكذلك نصت على فكرة عدم الخروج إلا للضرورة وهو ما شرحه كتاب الله العزيز في قصة أصحاب الكهف، وفي نهايتها بين الحكمة من اعتزالهم العالم، وقد تأملت الآيات فوجدت هذا الترتيب واضحا جليا، وقارنت بين حالهم وحالنا الآن، كالتالي: 
أولا:العزل:  فر أصحاب الكهف من قومهم الكافرين وعلى رأسهم الحاكم ديقيانوس، حفاظا على عقيدتهم، خوفا من إجبارهم على تركه عنوه، فهداهم تفكيرهم للجوء إلى اعتزال العالم، كما جاء في الآية الكريمة:
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16( 
وفي الكهف، تأكدوا أن الله سوف يشملهم ويحيطهم برحمته الواسعة، ويكتب لهم صلاح الحال ..
ثانيا: عدم الخروج إلا للضرورة ..
فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَ?ذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى? طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) 
نلمس في هذه الآية: الحرص الشديد من قبل أصحاب الكهف على إخفاء أمرهم، وعدم اطلاع قومهم على اعتزالهم والاختباء بعيدا عنهم، وبعد اسيتقاظهم بقرون ألحت عليهم الحاجة للطعام، فأخذوا بالأسباب المقرونة بالتصرف الصحيح والإجراءات المحسوبة، فاستقر رأيهم على ارسال مبعوث منهم للشراء .. واحد فقط .. يذهب متلطفا، آخذاً في اعتباره ألا يُشعر به أحدا.....
إنه العقل، الذي يتعامل مع الموقف بما يستحقة من تصرف، الاختباء يتطلب التلطف ثم المرور بهدوء كالنسمة الرقيقة التي لا تكاد تُحس.

ثالثا: الحكمة من اعتزالهم العالم:
الحكمة على وجهين، لعلها لأصحاب الكهف الفرحة برؤيتهم لمن آمن بعد إيمانهم بقرون وأن الله ناصر دينه لا محالة، وصواب رأيهم بالثبات على الحق، ولو فيه البعد عن العالمين.
وكذلك بيان قدرة الله، سبحانه وتعالى، على البعث وأن القيامة آتية لا مجال للشك فيها، وقد تبين للناس ذلك بعد أن رأوا أصحاب الكهف وعلموا بقصتهم، فكان انتصارا للمؤمنين وتثبيتا وحجة على الكافرين وضعاف العقيدة، كما نصت الآية الكريمة:
"وَكَذَ?لِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا"
وما أشبه حالنا اليوم بحال أهل الكهف ... ولكن مع اختلاف الأسباب فنحن معزولين خوفا من المرض، فارين بحياتنا وأرواحنا، بينما فر أصحاب الكهف بدينهم....وأصبح خروجنا للضرورة القصوى وهو ما شبه حال أصحاب الكهف لشراء الطعام، وهو حاجة إنسانية لا نستطيع إلا تلبيتها..
أما الحكمة من ظهور فيروس كورونا فيعلمها الله، سبحانه وتعالى..
ولعل الحكمة كما تراها الفقيرة إلى الله، أن هذا الفيروس تذكير بسيط .. في حجم صغير لا يُرى بالعين المجردة، لينسي جبابرة العالم النوم، ويقض مضاجعهم، وينسيهم غطرستهم ويمحي كبريائهم.
وليُذكر كل ظالم بأنه يجب عليه أن يعيد حساباته، ويردوا الحقوق لأصحابها قبل فوات الآوان..
ورغم أن الموت حقيقة لا يجهلها الظالم أو الجبار، إلا أنهم غالبا ما يتناسوه، ويظنوا أنهم قد بلغوا من الجبروت ما يمكنهم من التحكم في مصائر العباد دون رادع أو مانع... فيرسل الله لهم علامة توقفهم حائرين مرعوبين، وتُغلق في وجوههم الطرق، ولا يجدوا إلا طريق واحد، وهو طريق الله، فيبهتوا ويعودوا إلى رشدهم لا سبيل سوى دعاؤه والتضرع إليه من أجل رفع البلاء والقضاء على الوباء.