الصحة العالمية: مصر فى صدارة الدول العربية من حيث أعداد المنتحرين.. وخبير: تقرير خادع
تخصيص خط ساخن لتلقى الاستشارات.. وقريبًا سيتم تفعيله على مدار 24 ساعة
شيخ الأزهر يؤكد عقب لقاء مستشار الرئيس: الصحة النفسية أولية إنسانية يجب أن تنفق عليها الدولة
«الإفتاء»: المنتحر ليس بكافر.. و«الأزهر للفتوى»: عقد سلسلة ندوات بالجامعات
تكررت حالات الانتحار في مصر مؤخرًا بشكل يدعو إلى الأسى والحزن، خاصة وأن الضحايا شباب في مقتبل العمر، فما الذي يدعوهم إلى التخلص من حياتهم في أجمل سنوات العمر.
وفي حين لا توجد في مصر إحصائيات رسمية تحصي عدد حالات الانتحار، فإن الأسباب تتراوح ما بين المرض النفسي والخلافان العائلي والفقر والفشل في العمل أو الدراسة.
"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" قالت في تقرير لها، إن "هناك تزايدًا ملحوظًا فى عدد حالات الانتحار هذا العام، فمنذ يناير وحتى بداية أغسطس تم تسجيل أكثر من 150 حالة قام بأغلبها شباب فى الفئة العمرية ما بين 20 و35 عامًا".
فيما دقت منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة ناقوس الخطر حول أعداد المنتحرين حول العالم، عبر تقرير نشرته في سبتمبر الماضي، يقدر أن هناك شخصًا واحدًا يموت منتحرًا كل 40 ثانية، أي 800 ألف شخص سنويًا، وهو عدد أكثر من الذين قتلوا فى الحروب وعمليات القتل أو سرطان الثدي.
وقسم التقرير بلدان العالم حسب القارات، ففي القارتين الأفريقية والآسيوية اللتين تحتضنان كل البلدان العربية، تفوقت مصر على الدول العربية التى تشهد نزاعات مسلحة وحروبًا أهلية، حيث شهدت 3799 حالة انتحار في عام 2016، وتجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات (3095 مقابل 704).
غير أن الدكتور محمد عبدالمنعم يوسف، استشاري الطب النفسي وصف تقرير منظمة الصحة العالمية بأنه "تقرير خادع ويهدف إلى تشويه مصر، لأن تعداد سكان مصر يتساوى تقريبًا مع تعداد باقي الدول العربية، فلو تم حساب عدد المنتحرين في مصر بالنسبة المئوية في عدد سكانها، سوف تجد أن مصر في مركز متأخر جدًا".
أسباب ظاهرة الانتحار
لم تكن واقعة انتحار الشاب نادر محمد، خريج كلية الهندسة المنتحر السبت قبل الماضي من أعلى برج القاهرة، الأولى من نوعها التي ينتحر فيها شاب من هذا المكان، إذ انتحر ثلاثة شباب من المكان ذاته لأسباب أسرية ونفسية أعوام 2012 و2015 و2018.
زاد من الضجة المثارة حول الحادث، وقوع أكثر من حالة انتحار خلال الأسبوع الماضي، إذ جرى إحصاء 6 حالات انتحار خلال أسبوع واحد، من بينهم شاب لقي مصرعه أسفل عجلات مترو الأنفاق بمحطة أرض المعارض، وآخر ألقى بنفسه في ترعة الإبراهيمية.
وقال يوسف: "الله وحده فقط هو الذي يعلم ما كان يفكر فيه شاب البرج المنتحر قبل إلقاء نفسه، أو أي شخص آخر يقدم على الانتحار، لا أحد على وجه الأرض يستطيع معرفة ما يفكرون به، لكن كل ما نستطيع قوله إنها لحظة ضعف ويأس".
وأضاف لـ "المصريون" ناصحًا من يعاني من الاكتئاب أو الصدمات: "فورًا عليك بالذهاب به إلى الطبيب النفسي، ولا تحاول الاعتماد على نفسك في الخروج من أزمتك، حتى لا تقع في المحظور، فالمريض النفسي مريض مثله مثل أي مريض بمرض آخر، لو ابنك مريض باللوز هل تجرى له عملية بنفسك أم تعرضه على طبيب متخصص؟".
أما الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع، فقالت إن "سبب انتشار ظاهرة الانتحار هو حالة التيه التي يعيشها الشباب المصري، نظرًا لتضارب المعايير والقيم والمبادئ، داخل المجتمع المصري، إذ أن ما يسمعونه من الأهل بالبيوت يجدونه مخالفًا تمامًا لما هو منتشر على "السوشيال ميديا" والشوارع، ونتيجة هذا التضارب عند أى مشكلة كبيرة يجد الشاب نفسه ضعيفًا تمامًا حتى العجز فى التفكير، وقلة الحيلة، فبالتالى لا يجد أمامه أى مخرج سوى خروجه من الحياة".
وأضافت لـ"المصريون": "العلاج يكمن فى العودة إلى الأصول والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة، وإلى صحيح الدين، بعيًدا عن القشيرات، وتحقيق التآلف الأسري بعيدًا عن تأثيرات العولمة والتكنولوجيا وتوحيد المعايير".
من جانبها، قالت الدكتورة سهير لطفي، أستاذة علم الاجتماع ورئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية سابقًا، فى مقابلة مع الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله"، إن "بعض من ينتحرون قد يكون لديهم منذ الصغر مشاعر تحقير للذات فيؤدى بهم الأمر فى النهاية إلى التخلص من هذه الذات الضعيفة، والبعض الآخر قد تكون لديه قدرات رائعة وحبيسة داخله فيفجرها بالتمرد على الحياة كلها، فيما قد يمر آخرون بأزمات لم يتدربوا على كيفية التعامل معها ضغطت بشدة عليهم فقرروا التخلص منها بالتخلص من الحياة نفسها".
مساءلة الحكومة
النائب طلعت خليل عمر توجه بالتساؤل للحكومة عن أسباب تزايد ظاهرة الانتحار في مصر، خاصة بين الشباب، وذلك بعد فيديو انتحار شاب من أعلى برج القاهرة.
وقال في بيان موجه إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إن "المتتبع لأحداث الشارع المصرى يلحظ تنامى ظاهرة الانتحار بين الشباب، فقد فاضت الدموع على طالب الهندسة الذى ألقى بنفسه من فوق برج القاهرة، وسبقته حالات للانتحار تحت عجلات مترو الأنفاق أو غرقًا في النيل، أو الانتحار بحبل معلق فى سقف حجرة".
وأضاف: "تعددت الأسباب والانتحار واحد، ولكن الذي يبعث على الفزع ويطالبنا بدق ناقوس الخطر هو تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة"، متسائلاً عن خطة الحكومة لوضع حد للظاهرة المخيفة سواء من نواحيها النفسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وعن دور مركز الدراسات الاجتماعية والجنائية في رصدها ووضع الآليات المناسبة لمواجهتها".
خط ساخن
أعلنت الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة، أنها تتلقى الاستشارات النفسية لمواجهة الانتحار عبر الخط الساخن؛ 080008880700 و0220816831، حيث تم تخصيص أطباء نفسيين للرد على استشارات واستفسارات المواطنين.
وأضاف، أن الخط الساخن للاستشارات النفسية يعمل يوميًا من الساعة 8 صباحًا لـ3 عصرًا، لافتًا إلى أن الأمانة تستهدف مد فترة العمل بالخط على مدار 24 ساعة خلال الفترة المقبلة، ومستشفيات الصحة النفسية مفتوحة بالمجان لاستقبال الحالات النفسية وحالات الاكتئاب والانتحار، حيث يتم تقديم الخدمة من خلال 18 مستشفى بالجمهورية.
فضلاً عن ذلك، ستقوم الأمانة العامة للصحة النفسية بتنظيم حملات توعية على مدار العام حول الاضطرابات النفسية ومن بينها القلق والاكتئاب والفصام، والتي قد تؤدى في مرحلة من المراحل المتقدمة إلى الانتحار إذا لم يخضع المريض للعلاج.
كما تشارك فى حملة إزالة وصمة المرض النفسى التى تعد من الأسباب الرئيسية لإحجام المرضى عن اللجوء للعلاج، مناشدة وسائل الإعلام المختلفة وصناع الدراما إعادة النظر فى الصورة التى يظهر بها المريض النفسى والطبيب النفسى فى الأعمال الفنية، والمشاركة فى إزالة الوصمة والتركيز على معاناة المريض وقابليته للعلاج والشفاء فى أحيان كثيرة، بدلاً من التركيز على السخرية منهم وتوجيههم للتعامل مع الدجل والخرافات.
وقالت الدكتورة منى عبدالمقصود، رئيس الأمانة العامة للصحة النفسية، إن الحملات تشمل توعية المواطنين أيضًا بآليات التعامل مع المريض النفسي، خصوصًا المقربين منهم وتوصيلهم لأقرب جهة لمساعدتهم وعلاجهم فى المرض النفسى فى الوقت المناسب.
الإفتاء تطلق هاشتاج "لا للانتحار"
وتحركت أكثر من جهة رسمية في أعقاب الحادث لإطلاق التحذيرات من اللجوء إلى الانتحار, كوسيلة للتخلص من الحياة، بسبب المشكلات والأزمات النفسية.
وأطلقت دار الإفتاء المصرية، هاشتاج "لا للانتحار"، عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيس بوك"، بالتزامن مع تزايد حالات الانتحار، وطرحت تساؤلات على متابعيها حول أسباب الانتحار حتى يمكن الخروج بنتائج لكشف أسباب الظاهرة وكذا توصيات يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
واعتبرت الانتحار "كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع، والمنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين".
أولوية إنسانية
بينما أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر عقب استقباله الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي، مستشار الرئيس للصحة النفسية والتوافق المجتمعي يوم الاثنين الماضي على أهمية الصحة النفسية، باعتبارها "أولوية إنسانية وإنمائية عالمية، ويجب أن توضع فى أولوية كل الحكومات والبلدان؛ لأن خطورة هذا المرض تهدد ملايين الأشخاص حول العالم".
وأضاف: "أننا أحوج ما نكون إلى الحفاظ على الإنسان واستغلاله فى الإنتاج والعمل والمشاركة المجتمعية"، مشددًا على أهمية الاعتناء بخدمات الصحة النفسية والإنفاق عليها من ميزانيات الصحة، للتخفيف والحد من خطورة هذه الأمراض، مع توعية وتثقيف المجتمع بأهمية إزالة وصمة هذا المرض الذى يهدد المجتمعات.
من جانبه، أوضح الدكتور أحمد عكاشة، أن المرض النفسى مرض عضوى بمركز المخ، وأن كل الأمراض النفسية ناجمة عن عدم انتظام الدوائر العصبية فى المخ، وكل العلاجات تتجه فى الوقت الراهن إلى تنظيم هذه الخلل العصبي.
ودعا شيخ الأزهر إلى زيادة الوعى لدى الناس، خصوصًا الشباب، بأشكال المرض النفسي، ووجود العلاج المناسب حاليًا لكل الأمراض النفسية حتى إن هناك علاجًا مخصصًا لكل حالة على حدة، مشيرًا إلى أن عدم علاج الأمراض النفسية قد يؤدى إلى تدهور فى الشخصية ويحدث نتائج سلبية.
فى السياق، قال المتحدث باسم مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية لـ"المصريون"، إنه "تم وضع خطة لمواجهة مشاكل الشباب؛ الأسرية منها والعائلية والنفسية، والتى تؤدى إلى الانتحار، من خلال عقد العديد من الندوات فى الجامعات ومراكز الشباب، وتكثيف النشاط عبر السوشيال ميديا لمواجهة هذا الخطر".
وأضاف الدكتور عبدالحليم كرسون: "سوف نعقد بالتعاون مع جامعة قناة السويس بالإسماعيلية خلال شهر ديسمبر الجارى عددًا من الندوات بكليات الجامعة، التى تتناول عدة محاور تُعْنَى باستقرار الأسرة وتماسكها وبنائها، وأسس التربية السليمة، وعلاقة الأبناء بالآباء، والحفاظ على سلامة أفراد الأسرة، وتعزيز الاستقرار النفسى بها، ودور الشباب فى بناء المجتمع، ومن بين المحاور أيضًا: حرمة النفس والتحذير من الانتحار وكيف يستمتع الإنسان بحياته فى الطاعة، وغيرها من المحاور المهمة التى تسهم فى حماية المجتمع من الظواهر السلبية، وطرق علاجها".