السبت 21 ديسمبر 2024
توقيت مصر 18:38 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

غزة.. الإعمار لن يكون خبزا مٌرا..فات ذاك الزمانا !؟

في الثقافة والأخلاق الإسلامية نهى شديد عن ارتباط الإحسان وفعل الخيرات بالمن والأذى..والكلمتين بالغتى الدلالة في المعنى.. والآيات (260-263) في سورة البقرة اهتمت بتبيان ذلك بتحديد ووضوح وقطع وكذلك السنة الشريفة حدثتنا عن سوء عاقبة الشخص (المنان بما أعطى) ..فى السياق الاجتماعى بين الناس سنجد أن الصفتين سواء كانت منَا أو أذى صفات كريهة والمصريين الطيبين يعلقون ساخرين على من يفعل ذلك قائلين (يعمل كنافة ويحط عليها آفة) ..لكن على المستوى الاستراتيجي سيكون للموضوع ألف بُعد وبٌعد ..والف حساب وحساب ..                                                                                                ولكن كيف يكون ذلك ؟

****

يقولون أن خبز المحسنين مرا .. والطريق إلى بيوت الغرباء موحشا مؤلما.. هذا صحيح ..لكن ليس في كل الأوقات تصح كل الأقوال ...فمتى يكون صحيحا ؟ ومتى لا يكون ؟                                                                                                                    يكون صحيحا اذا لم يكن في يديك إلا يديك .. فعليك اذا أن تستحلى المرار الذى هو أهون من الجوع نفسه .. وعليك أيضا أن تتحمل الوحشة والألم التي هي أهون من الموت نفسه..

ولا يكون صحيحا اذا كان في يديك صاروخا وهاون ودرونز .. ليس هذا فقط بل ومجاهدين ومناضلين من مدرسة من لم يمت بـ أف 35 والأباتشي مات بالذبحة وكورونا..هنا لابد أن تختلف الصورة اختلافا كبيرا .

****

وعليه فإعمار غزة لن يكون فيه إحسانا ولا خبزا مرا .. ولن يكون هناك أصلا سعيا لبيوت الغرباء ..سيأتون إليك راضين أو مكرهين.. فحقيقة الأمر أن الغرب كله أمام مشهد جديد تماما من ألفه إلى يائه في تجليات جديدة نافذة وملهمة وآسرة لأخطر وأشرف قضية تحرر وطنى في القرن العشرين والحادى والعشرين..                                                                                                        نحن أمام مشهد يختلف كل الاختلاف عما كانت عليه هذه القضية العزيزة الشريفة فى أي وقت من الأوقات وفى أي يوم من الأيام ..من يوم النكبة الأولى (1948م) والنكبة الثانية (1967م) بل وعن أي أيام أخرى في أي وقت وكل وقت.. (الشرق الأوسط) كله الأن أمام (حالة) لم تكن في خيال أعتى الأجهزة المختصة بالتنبؤ الاستراتيجى ودراسة ما يعرف بالمستقبليات..

****

الرئيس الأمريكي جو بايدن قال يوم الجمعة 21 مايو _يوم وقف اطلاق النار_ أنه يصلي من أجل صمود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس(هكذا..!) وتعهد الرجل العجوز الأريب بجمع حزمة كبيرة مع دول أخرى لإعادة إعمار وبناء غزة .. وقال إن المساعدات المخصصة للمنطقة ستقدم بالتنسيق مع عباس والسلطة الفلسطينية (خفير إسرائيل في الضفة)..فى الغرب يعرفون انه حين تفور الخمر الجديدة لابد من تحطيم الاناء القديم ..لكنهم لا زالوا غير مصدقين لما راوه  ويسابقون الواقع الذى قفز فوق عباس وتجاوزه و فرض نفسه بقوة المقاومة وقدرتها على قول الكلمة الأخيرة..

لكن بايدن أضاف جملة مليئة عامرة بالاف المعانى والدلالات ..قال أنه لن يتحقق السلام إلى أن تقول المنطقة صراحة إنها تعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية مستقلة..

أن يأتي رئيس أمريكي ويتحدث عن(القبول بإسرائيل في المنطقة) بعد 73 عاما من وجودها وبعد أربع حروب كبرى وبعد سلام ما بعده سلام ..وهرولة ما بعدها هرولة .. أنت ادن تتحدث بالفعل عن قرب النهاية .. دكتور عبد الوهاب المسيرى حكى لاصدقائه يوما أنه حضر اجتماعا مغلقا فى مركز الدراسات السياسة والاستراتيجية فى الأهرام أوائل السبعينيات وكان يحضره الجنرال الفرنسي(أندريه بوفر)الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م .. وينقل عن بوفر قوله أنه ذهب لزيارة إسحق رابين في منتصف يونية 1967 بعد انتهاء الحرب بعدة أيام ..وبينما كانا يحلقان فى سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتصرة فى طريق عودتها إلى إسرائيل بعد أن أنجزت مهمتها قام الجنرال (بوفر)بتهنئة رابين على نصره العسكرى..ففوجىء به يقول له : ولكن ماذا سيتبقى من كل هذا ؟ يقول الدكتور المسيرى: في الذروة أدرك الجنرال المنتصر أن(النهاية على عتبات الأبواب ).

*****

يقولون أنه _أحيانا _ما هو حلم يسبق ما هو منطقى ..ولنا أن نتخيل أن الرئيس الأمريكي(خائف)من إعادة الكرة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية مرة أخرى ..لكنه لم يكشف لنا بوضوح عن أبعاد هذا الخوف ومساره ومغزاه القريب والبعيد ..

(أحدهم)كان أكثر شجاعة وقوة ووضوحا ونورا وسلاما مع نفسه ومع الدنيا كلها قال لنا كل شيء بكل وضوح و كل بيان فليس لديه ما يخفيه ولا ما يواريه وهو فيما يبدو من اختياره لكلماته وتوقيت كلامه (5 يونيو) أنه يقف على ارض بالغة (الصلابة والقوة) المعنوية والمادية.. فماذا قال .. ومن هو ..؟

قال: إذا تفجرت المواجهة وعادت المعركة مع الاحتلال سيتغير شكل الشرق الأوسط كله /لقد قدرنا الله تعالى أن (نمرمط) تل أبيب وحولناها إلى(ممسحة) وأوقفتها المقاومة على رجل واحدة /وأن غزة لن ترجع إلى الوراء فدافعية القتال عندنا بأفضل حالاتها /وأن منظمة التحرير بدون فصائل المقاومة مجرد صالون سياسي/وأن هناك استحقاق فوري لترتيب المنظمة لتمثل الجميع ولنضع استراتيجيتنا الوطنية لإدارة الصراع لتحقيق (جزء)من أهداف شعبنا/وأن الهرولة العربية للتطبيع / والانقسام الفلسطيني /والوضع الدولي شجع إسرائيل على عدوانها الأخير.. الكلام منتقى ومختار بدقة شديدة ..ليس هذا فقط فوسائل الإعلام نقلت عنه كلامه في كل وسائلها ومواقعها خاصة تلك الجملة التي فيما يبدو أنه قالها من قبل في(الغرف المغلقة)لمن تعنيهم معانى الأمور وأمور المعاني وأمورأمور المعانى  قال(إذا تفجرت المواجهة وعادت المعركة سيتغير شكل الشرق الأوسط كله) .. أهلا وسهلا ..

****

إنه واحد من الذين أتوا من أركان الأفق كما تقول الحكايات .. (يحيى السنوار) 59 عاما و 22 عاما في سجن(نفحة) أشد سجون إسرائيل قسوة وصعوبة ..كان محكوما عليه بالسجن مدى الحياة لكنه خرج في تبادل اسرى (الجندى الاسرائيلى جلعاد شاليط) عام 2011م  يقول عنه اسحق ايلان نائب رئيس (الشاباك) السابق والذى نفذ عملية اغتيال المهندس يحي عياش سنة 1996م : انه الزعيم الصعب الذى يملك صفات قيادية كبيرة وقال أيضا : وما حققه السنوار لحماس يعد مفاجأة كبيرة صدمت قيادات حماس نفسها..                                                                                                           السنوار يحمل بكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة الإسلامية بغزة ..واسع الثقافة شديد المراس ويمتلك حسا سياسيا عاليا .. قال في لقاء له بعد وقف اطلاق النار: التحية كل التحية لأرواح شهدائنا الأبرار وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين والقائد أبو عمار ونقول لأبي عمار نم قرير العين فقد قضيتَ وأنت تحاول تطوير قدرات المقاومة لشعبنا فقد أصبح لأبنائك من كتائب القسام والمقاومة مئات الصواريخ..السيدة سها عرفات ردت بتغريده قائلة له: (ما أروعك..) .

نقلت عنه وسائل إعلام الدنيا تحديه لوزير الدفاع الإسرائيلي بنى جانتس بمنحه 60 دقيقة لتنفيذ تهديده له باغتياله .. فقال على الهواء : بعد انتهاء هذا اللقاء جزء كبير من مشوار عودتي سأقطعه مشيا على الأقدام ولدى جانتس الوقت..معه 60 دقيقة لاتخاذ القرار وتجهيز الطائرة وتنفيذ تهديده ولن يرمش لي جفن.

****

الحماقة الإسرائيلية أحيانا تذهلنى..الحقيقة واضحة وإمكانيات التفاوض قائمة والحلول الإنسانية موجودة لكنهم لا يفعلون ..فهم يعرفون ان وجودهم ذاته (مهدد) كجماعة استيطانية استعمارية ..وأن أي إنسحاب قد يكون بداية النهاية ..وبصفتى رجلا مسلما أقول أن هذا التعنت في مواقف إسرائيل غضب من الله لتقترب نهايتهم أكثر وأكثر..هذا الكلام قاله د/ المسيرى هكذا تحدث من اكثر من عشرين عاما بعد الانتفاضة الثانية(2000_2005م)..

وهى..هي الحماقة نفسها التي رأيناها في الشيخ جراح واقتحام الأقصى وقصف غزة ليفتح الله للمقاومة ولأهل غزة وللمشرق الإسلامي كله.. ثغرة ينفذ منها نورا جديدا ساطعا كاشفا كل الحقائق.

تويتر@helhamamy