الخميس 25 أبريل 2024
توقيت مصر 22:37 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

سقط الواهم والموهوم.. أنت الآن غيرك

لعل من أعظم نتائج معركة(سيف القدس)هو سقوط الوهم الذى قامت وعاشت واستمرت واستثمرت عليه إسرائيل من يوم تأسيسها إلى الأن استثمارات هائلة..وإذا كانت نتائج هذه المعركة ستأخذ فى الظهور شيئا فشيئا واضعة يدها على كل مكونات هذا الصراع التاريخى بين الشرق والغرب , فسيكون علينا أن ننتبه كثيرا  وقبل كل شىء إلى هذه النتيجة : (سقوط الوهم)ليس فقط لكونها مربط المرابط فى الأحداث الأخيرة ولكن لأنها جرجرت وراءها عدد كبير من الموهومين ..
أسئلة كثيرة سيتعين على الجميع طرحها بعد(سيف القدس) والأصعب هو أن تجد لها إجابات , ليس لأنها غير موجودة ولكن لكونها فى عين الوجود الذى أصر الجميع على إنكار وجوده.    
يعرف الوهم في اللغة على أنه الخداع المختلف عن الواقع والذى يعمل على تكريس صورة مخالفة للحقيقة عن هذا الواقع.. ويقولون أنه قد يصل الواهم لمرحلة يحاول فيها دمج أخرين وإقحامهم معهم في أوهامه..فيعيشون معه فى هذا الوهم الوهيم..إلى أن تحدث لحظة الإنكشاف العظيم ..وقد حدثت..وهو أبدع ما قدمته هذه المعركة
أن تخرج حركة مقاومة من قلب شعب محاصر داخل بقعة جغرافية على ساحل المتوسط لا تزيد عن 360كم .. وتفعل ما رأيناه وسمعناه ..نحن إذن بالفعل أمام ما يستوجب عظيم الإهتمام. 
*** 
سيكون هاما هنا أن نسجل بأن ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين في غزة ومن غزة سيكتبه التاريخ على أنه من تلك الأحداث القليلة في التاريخ العربى المعاصر والحديث التى يمكن أن توصف بأن القرار فيها كان هو عين الرأي في عين العقل في عين الوقت .. سيكتب التاريخ في أوراق أيام الذكرى الـ73 من النكبة أن ثمة قرارا تاريخيا تم صنعه وإتخاذه وتنفيذه بعد أن اختمرت كل عجائنه في وعاء استراتيجي كبير..وليس أروع من الوقت الصحيح إلا من التقط فرصة الوقت الصحيح فقام ونهض وفعل ما ينبغي عليه فعله وبشكل صحيح. 
* * * 
هذه الجولة لم تبدأ بسبب شيء ما حدث في غزة كما كان يحدث من قبل ولكن سبب ما حدث كان في مكان بعيد.. في القدس.. وهذا بالضبط ما أرادت حماس أن ترفعه عاليا في سماء الصراع: لم يعد هناك فصل بين غزة والقدس.. شعب واحد وقدس واحدة.. ولن يقاتل المقدسيون بمفردهم .. سنكون معكم حتى لو كانت أيادينا مكبلة..هذا مختصر لما قاله أحد الخبراء الإسرائيلين في وصفه لما حدث.. وأضاف: إن هذه المعادلة معناها أن تصبح غزة ضمن الإعتبارات الإسرائيلية كلما عملت بطريقة أو بأخرى في القدس, والكارثة أن إسرائيل لا تستطيع تحمل ذلك لأن ذلك يعني أن كل خطوة لها في القدس ستفتح عليها الصواريخ من غزة
إسرائيل أصلا تشتغل من زمن طويل وبتنسيق أمني متكامل مع سلطة عباس على الفصل التام بين غزة والضفة والقدس .. وجاءت حماس في الوقت الصحيح وبالطريقة الصحيحة لتقول عكس كل ذلك، وإبلاغ العالم كله - وبالطبع إسرائيل والمنطقة - أنها صاحبة القول في القدس وأي ضرر يلحق هناك (القدس) سيتم الرد عليه من هنا (غزة)..وهذه المعادلة الجديدة لا تستطيع إسرائيل التعايش معها فهذا يعني أن تصبح حماس عقل وقلب وصوت القضية الفلسطينية كلها وفي القلب منها القدس، وهذا يشكل خطراً حقيقيا على إسرائيل.             ويكفي أن نعلم أن الدنيا كلها - وليس إسرائيل فقط - اجتمعت على منع حدوث ذلك، لكنه حدث ويتشكل الآن وفي طريقه للإكتمال التام. 

 

* * * 

سيكون علينا إذن أن نعيد قرأة المشهد من بداياته الأولى ونتذكر دائما أن إسرائيل مجتمع استيطاني إحلالى لايزال ينشأ ويتوسع.. والمجتمعات الاستيطانية لا تنشأ بالحق..إنما تنشأ بالقوة ..والمعادلة التى تتبناها هي: 

(القوة ثم الأمرالواقع ثم ماتدعيه بعد ذلك من حقوق) ولكن وكما هو دائما وكما يقول كتاب التحرير.. لا يتم مواجهة ذلك كله إلا بالقوة والمقاومة العنيفة , فعادة لا يجرى إقناع المعتدين عن طريق التفاوض وإنما عن طريق (الإفشال) المادى .. وهذا ما صدح وعلا صوته وسمعته الدنيا وانتبهت له بعد ما كاد يضيع فى مخازن التاريخ. 

 

الصحفي الإسرائيلي الشهير عوزي بنزيمان، مؤلف الكتاب الأشهر(مدينة بلا أسوار) مشيرا إلى القدس.. قال معلقا ذات يوم على إعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل: إن الفعل الدراماتيكي الحاسم المتمثل بـتوحيد القدس والذي يقف منذ 50 عاما عائقا غير قابل للتجاوز في الصراع العربي الإسرائيلي ..هذا الفعل لم يكن نتيجة تخطيط استراتيجي أو تحقيقا لمصلحة قومية أو اعتبارا موزونا بعيد المدى أو حتى حاجة أمنية حيوية..  

بل نتيجة تراكم(حالة مزاجية)لدى عدد قليل من متخذي القرارات في الحكومة والجيش لإحداث تغيير متطرف في واقع الشرق الأوسط.. 

الجيش الإسرائيلي استلهم عنوان الكتاب فيما يبدو في تسمية عمليته العسكرية(حارس الأسوار) وليكون الرد الفلسطيني من ذات المعنى ويطلق على معركةه (سيف القدس)..وبذلك يكون الجميع قد اتفقوا على(ماهية الصراع) دونما لجلجة ولا جلجلة بعيدة عن أرض الموضوع , وبذا تكون سطور التاريخ قد أعادت ترتيب نفسها في سياقها المتسلسل لتتواصل مع ما قاله الجنرال الإنجليزي اللنبي (1861-1936 م) حين دخل القدس عام 1918 م قائلا: اليوم انتهت الحروب الصليبية أو حتى إلى ما قاله بعدها بثلاثة أعوام الجنرال الفرنسي هنري جورو (1867-1946م) حين دخل دمشق وذهب إلى قبر صلاح الدين قائلا: ها قد عدنا يا صلاح الدين. 

 

* * * 

 

تقول الحكاية إن اليهود في أرجاء العالم باتوا يرون أن مخاطر العيش في إسرائيل أكبر من أي مخاطر أخرى قد تتهددهم في الخارج .. وتقول الأخبار أن 70 في المئة من اليهود الأمريكيين لم يزوروا إسرائيل ولا يعتزمون زيارتها أصلا ونصفهم لا يهمهم إذا زالت إسرائيل من الوجود، وتقول أيضا إن نسبة الهجرة العكسية لليهود إلى الخارج تزايدت في السنوات الأخيرة وبشكل ملحوظ، والذي يظهر في سعي أعداد متزايدة من الإسرائيليين للحصول على جوازات سفر أوروبية لاستخدامها في الفرار عند الحاجة إلى ذلك . 

وهو ما أثر سلبا على الروح المعنوية  للجماعات اليهودية , وعلى مدى استعدادها للتطوع للخدمة العسكرية والقتال والتضحية والمخاطرة بالنفس من أجل سلامة الوطن الغامض.. فضلا عن أنها تؤثر سلبا على فكرة وحدة الجماعات اليهودية في الدولة اليهودية..والتى هى أصلا أكذوبة كبيرة كما قال د/ شلومو ساند (75 عاما) أستاذ التاريخ بجامعة تل ابيب وصاحب الثلاثية الشهيرة ( اختراع الشعب اليهودي) و(اختراع أرض إسرائيل) و(كيف لم أعد يهودياً) وكلها مترجمة إلى العربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية..  

*** 

(كل إسرائيلي يولَد وفي داخله السكين الذي سيذبحه).. هذا ما قاله الشاعر الإسرائيلى حاييم جورى(1923-2018م) والذى قال أيضا :فوق أرض تصرخ/ونفسي منزعجة/أشاهدكم من عل/إلى أن يحل الظلام/إلى أن يأمرونني بترككم والتوجه غربا/بينما يدي تقترب فتكتوي ثم تتراجع.. 

 

فلتذهبوا إلى الظلام جميعا يدا بيد ..واهمون وموهومون.. 

== 

نشر بموقع المصريون 

تويتر@elhamamy: