الأربعاء 18 ديسمبر 2024
توقيت مصر 22:09 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

حكمتى القديمة وصراعى القديم.. (القدس ) والغفير الحقير

تقول الحكاية أن مارك سايكس الإنجليزي توصل إلى اتفاق تنفيذى مع  فرانسوا بيكوالفرنسى سنة  1916م وتم تقسيم الشرق كله كما تقسم (صينية البسبوسة) يعدها بسنة سيدخل  الجنرال (اللنبى) الانجليزى القدس قائلا (اليوم إنتهت الحروب الصليبية) و بعدها بثلاثة أعوام سيدخل الجنرال( جورو) الفرنسى دمشق ويذهب إلى قبر(صلاح الدين) قائلا: (ها قد عدنا يا صلاح الدين ) .. واذ يحدث كل ذلك في سهولة سهيلة ساهلة  وبكل اشكل التواطؤ الواطى والتأمر المرير .. كان لابد من احضار غفير يحرس كل ذلك  وقد كان ..وجاء الغفير ..الذى كانت تحتقره الحضارة والثقافة والقيم الاوروبية إحتقارا لا مثيل له .. إنه (شايلوك) آكل لحوم البشر ..المرابى والقواد والخائن لكل عهد ووعد .. وشايلوك لمن لا يعلم هو التاجراليهودى فى مسرحية(تاجر البند قيه)لشكسبير الذى أراد إسترداد القرض الذى إقترضه منه أنطونيو المسيحى المهذب فى صوره كيلو لحم من جسده وهو حى !!!                          في بلدته سيلدمير بمقاطعه يوركشاير بانجلترا أقامت الحضارة الغربية تمثالا لمارك سايكس مكتوبا عليه (إبتهجى يا قدس) .. على فكرة مارك درس تاريخ وسياسة ودين في كامبريدج لكنه عاش طفولة تعيسة بين اب وام يكره كل منهما الاخر ثم انفصلا في طلاق مهين للثلاثة الاب والابن والام ..ليس هذا هاما لكنها دهاليز البشر والحياة .. وفى النهاية ستجد أنه يضحك علينا جميعا.. من يفصل الخاص عن العام والشخصى عن الموضوعى ..  
**** 
القدس هى رمز الصراع بين الإسلام والغرب  وهذا هو المعنى الحى على مدى العصور والأجيال منذ ان دخل الاسلام مرابع الامبراطورية الرومانية  وقال للناس فيها أن الإنسان خٌلق ليكون حرا كريما مكرما.. إنه الصراع الخالد الذى يتطور تاريخيا في أثواب  عديدة ..وهذا هو عمق الأعماق في الخلاف بين الاسلام والغرب ..دعك من أى تمحيكات كذوبة .. الإنسان الغربى ما هو إلا عبد .. ووثنى.. وحيوان يحاول ألا يكون كذلك على رأى (البير كامو).. ليس هاما من يكون سيده ..ليس هاما ما الصنم الذى يتمحور حوله ..ليس هاما الأشكال والصور التى تتبدى عليها عبوديته وصغاره .. حتى لو كانت التكنولوجيا والتطور في استخدام الأدوات والاجهزة .. ولهذا حديث أخر يطول ..
الفكرة الصليبية التى تكونت وخرجت 1096م  في صورة جيوش وراء جيوش وحروب وراء حروب تشتد و تهدأ  بحسب  النهوض والإحياء الاسلامى  قوة وضعفا .. ولم تعرف أبدا سبيلا الى التهدئة والمهادنة وهى مستمرة ومتفاعلة الى الأن.
لازالت الفكرة الصليبية إلى الأن تتربص بكل فورة أو نهضة جديدة يقوم بها الإسلام .. إذا نظرت الى التاريخ على أنه (علم ) ستفهم ذلك جيدا ..وإذا نظرت إليه على أنه (بانية ومكرونة)لا عليك في إرهاق ذهنك بمثل هذه الأحاجى والحكايات ..   
وما نراه الأن في القدس وفى حى الشيخ جراح تحديدا هو (علم التاريخ) ليس فقط علم التاريخ  ولكنه الحقيقة  في أم عينها كما هى..  خالصة مخلصة ..مقطرة من كل شوائب الأكاذيب ..إسرائيل قامت وتقوم بالدور التاريخى والطبيعى لـ(اليهودى التقليدى) في كل أطوار وأشكال وجوده وحضوره في التاريخ الأوروبى في كل الأوقات .. الأدوار القذرة الحقيرة التى يأنف الأوروبى الآرى من فعلها..  
**** 
الغرب  برع في أن يكسوا مواقفه الدنيئة  بالغة التوحش والقذارة .. برع في إكسائها ثوبها مزركشا ..كل ما فعلته فرنسا في أفريقيا والتى تأنف الضباع من فعله بفريستها .. أطلقوا عليخ ( عبأ الرجل الابيض) عبأه الذى يتحمله ويعانى في تحمله .. حتى يقوم بدوره الإنسانى الملائكى في الإبادة والحرق والقتل والتعذيب والإغتصاب .. لقد وصلوا إلى حد أنهم  كانوا يسرقون  اللبن من ثدى المرضعات ..                                                      وكذلك فعلت إنجلترا في الأماكن التى أخضعتها  وقهرتها ..هم هم من فعل بالهنود الحمر وحضارة المايا في الأمريكتين . 

دور ( الغفير الحقير) الرابض بيننا  الأن من 75 سنة كان لا بد من إكسائه ثوبا مزركشا .. ويا سلام إذا كانت الزركشة دينية تاريخية أسطورية  فأنت في الشرق مهد كل ذلك ..ليكون هناك وإن لم يكن .. فليوجد ويكون تراث مشترك بين الطرفين يتمثل في(التوراة) وليكون تأسيس إسرائيل المعاصرة تحقيق(للنبوءة التورانية) فى العهد القديم ولتقوم الأساطير تلو الأساطير .. والموضوع ليس الا إسم (الغفير الحقير) ومبررات وجوده وشرعنة وتأريخ هذا الوجود. 

ولم يكن وقوف ترامب على حائط البراق بالقلنسوة اليهودية واضعا يده على الجدار مُودِعا ورقة تحمل صلواته فى فتحاته بالأمر المدهش ولاالمفاجىء..فلا ترمب رجل قلانس ولا حوائط ولا غيره ..إنها الأدوار والمسرحيات . 

**** 

سيحدثنا العلامة د/عبد الوهاب المسيرى بعبارات الأكاديمى الرصين والباحث العميق _ رغم روحه المرحة رحمه الله _ عن إسرائيل كـ (دولة وظيفية) وسنرى حزمة المفاهيم التى تحكم( العقل الغربى) من البدايات الأولى للصراع (دين وسياسة ومصالح)وهو ما مثلته  الفكرة الصليبية  وحروبها التسع (1096-1291) . 

 

ستصر إسرائيل على تحديد مواقفها من الصراع فى الشرق الأوسط استنادا الى هذه الأساطير_ إكمالا وإتماما للمسرحة والمسرحيات _وبما هو أكثر كثيرا مما تمليه أية اعتبارات (سياسية) سيكون علينا ان نتذكر فى الذكرى الـ  54 لهزيمة (كل يوم 5 يوينو )أن اسحق رابين قائد الجيش المنتصر قال حين سألوه عن إسم لهذه الحرب : إنها(حرب الأيام الستة) رابطا بين خلق العلم فى ستة أيام وبين هزيمة المشير عامر(فى واقع الأمر)..               لم يقل ذلك لأن ذلك صحيح وحقيقى ..لا.. فالحرب انتهت بعد يوم واحد !! وليس ستة أيام .. وليس لأن رابين حَبر فى ثياب جنرال ..لا.. فهو علمانى  وملحد..ولكن وهذا هو الأهم للإشارة والتنبيه وبما لايُمل ولا يُكل من أن إسرائيل( حقيقة دينية/كونية). 

***** 

(أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر) هذه الجملة قالها صلاح خلف _أبو إياد_ الذى قتلته إسرائيل فى تونس عام 1991م فى عملية منظمة لم يغب عنها أحد من أجهزة المخابرات الصديقة والشقيقة .. وأبو إياد هو الأب الروحى للانتفاضة الأولى 1987م ..وكان اغتياله وتصفيته ضرورة لتهيئة الأجواء لأوسلو ومنتجاتها حتى يأتى محمود عباس ليقول (المقاومة أصبحت عبثية وتضر أكثر مما تنفع ) هكذا مرة واحدة !!                             الرجل لا يعبرعن جهله بحقائق السياسة التاريخ فقط..  لكنه يعبرعن جهله بالمعلومات العامة.. فليس هناك شعب قاوم إحتلال أرضه وإغتصاب عرضه إلا وأنتصر فى نهاية المطاف. 

عباس دعا المجتمع الدولي للتدخل لوقف جرائم الاحتلال بحق(شعبنا ) فى القدس والشيخ جراح .. ودعاه لتحمل مسؤلياته (هيا بنا يا جماعة نتحمل مسؤلياتنا.. كلنا مع بعض) ..الشعب الفلسطينى  يتبرأ منك ومن أمثالك  ومن جيلك ولا يريد منك ولا من المجتمع الدولى سوى الابتعاد ..وتركه يهز الأرض بالقدم ويمطرها على الغاصبين بشعلة الحجر .. 

 

التاريخ خيط متصل موصول أوله بأخره ليس مجرد سنين تتراكم بعضها فوق بعض .. بل هو تركيب حي مستمر فى حركتهمستمر فى تطوره .. و القدس هى بوصلة الصراع كما قيل بحق ..وهذه حقيقه الحقائق فى هذا الصراع التاريخى.. علينا أن نعيد تسمية الأشياء بأسمائها  وأن نرى الحاضرعلى خلفيه الماضى ..الحاضر لم يهبط علينا بالبراشوت فجأه ..الحاضر جاء من ماضى موصولا به تواصلا طبيعيا فى كل مكوناته.                                                                                                     

 

نشر بموقع المصريون 

تويتر @elhamamy