الجمعة، 13-12-2019
02:13 م
د. رضا محمد طه
الهربس من الأمراض التي تصيب العديد من الناس حول العالم، وحسب الإحصائيات التي تعلنها سنوياً مراكز مكافحة ومقاومة الأمراض CDC فإن 48% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية مصابون بفيروس هربس سيمبلكس واحد HSV-1 والذي يصيب كذلك أكثر من 80% من سكان العالم، وطبقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن 7 بليون شخص تحت سن 50 عاماً مصابون بفيروس هربس سيمبلكس واحد HSV-1، و417 مليون أعمارهم من 15-49 عاماً مصابون بفيروس هربس سيمبلكس إثنين HSV-2، لأنه بمجرد إصابة الشخص بأي من فيروسي الهربس يظل كامناً فيه طيلة حياته ولا يستطيع التخلص منه دون أعراض واضحة يمكن ملاحظتها، ومن هنا تكمن المشكلة لأن الفيروس قد ينتقل من الأشخاص حاملين للفيروس ولا تبدو عليهم أية أعراض أو علامات للمرض إلي أشخاص سليمة يتعايشون أو يتعاملون معهم.
فيروس الهربس شديد العدوي، الأول HSV-1 وهي السلالة الأكثر شيوعاً والذي يصيب منطقة الفم، أما النوع الثاني HSV-2 يصيب الأماكن التناسلية ونسبة إنتشاره أقل من النوع الأول، حوالي 16% من سكان الولايات المتحدة الامريكية مصابون بهذا الفيروس أعمارهم تترواح ما بين 14-49 عاماً. حتي الآن لا يوجد لقاح أو علاج يشفي نهائياً من الفيروس. يكمن فيروس الهربس في الخلايا العصبية، حيث أنه ومع بدء غزو الفيروس لها ولحماية نفسها تقوم الخلية العصبية بضغط مع اللف لمادة الفيروس الوراثية "دي إن إيه DNA" مستخدمة بروتينها من الهيستون الموجودة داخلها في ألياف الكروماتين، بعدها يدخل الفيروس في حالة من الكمون داخل الخلية ،حتي الخلايا المناعية يلتبس عليها الأمر ولا تستطيع التعامل معه كجسم عدو غريب. لكن في بعض الحالات لا تستطيع الخلية أن تغلف دي إن إيه الفيروس بصورة كاملة ويكون الكروماتين سائباً وغير متماسك بصورة قوية، بحيث تترك جزء منه حراً ومعرض لكيمياء الخلية، بما يسمح لجينات هذا الجزء من جينوم الفيروس من النشاط وكسر كمون الفيروس، والبدء في التضاعف والدخول في الإصابة التحليلة lytic وقتل الخلية في النهاية ومعها ظهور الأعراض الخاصة بالهربس.
تتمثل أعراض الهربس الإبتدائية (في بداية الإصابة) ظهور بثرات حمراء أو قروح مؤلمة علي الأماكن الخارجية للفم أوعلي الأعضاء التناسلية ، خاصة المهبل وعنق الرحم والشرج، إضافة لزيادة في الإفرازات المهبلية مع آلام وحكة، وكذلك تورم في العقد الليمفاوية، ألم عند التبول، إرتفاع في درجة الحرارة. وعند تفاقم الإصابة وتؤدي إلي إلتهاب قرنية العين keratitis أو الإلتهاب السحائي encephalitis.
ينتقل الفيروس الهربس HSV من خلال جلد المصابون، ومن ثم ينتقل بسهولة خاصة الجلد الرطب في منطقة الفم أو العين أو الشرج والأعضاء التناسلية أثناء العلاقة الجنسية بأنواعها ومنها بالطبع الجنس الفموي، والقبلات خاصة مع الأشخاص الذين تبدو عليهم الأعراض الخاصة بمرض الهربس.
في دراسة حديثة أجراها باحثون من معهد برلين للنظم الطبية في ألمانيا ونشرت نتائجها في مجلة "نيتشر كوميونيكيششن Nature Communications" أكتوبر 2019 وتناولت مقدرة العلماء علي التنبؤ بالكيفية التي سوف يتطور بها الهربس في خلايا المصابين، وإستخدمت فيها تقنية الكشف عن التتابع الجيني للحامض النووي آر إن إيه RNA في 12 ألف حالة مصابة بفيروس الهربس. من خلال النتائج التي حصلوا عليها إستطاع فريق البحث تفسير الفروقات بين التتابع النيوكليوتيدي (الجيني) في الخلايا وعن طريق التماثل اللوغاريتمي تم الكشف عن وجود عامل نسخ عبارة عن بروتين يسمي إختصاراً NRF2 والذي يقوم بدور المفتاح بحيث عندما يكون نشطاً يتسبب في تثبيط تقدم المرض إضافة إلي دوره في تنشيط وكذلك تثبيط الجينات في أماكن خاصة علي دي إن إيه DNA الفيروس ، يعمل علي فك شفرة decode المعلومات من علي جينوم الخلايا ، فضلاً عن أنه بالإمكان وعن طريق قياس معدل نشاط عامل النسخ NRF2وإستخدامها كأحد العلامات علي مقاومة الخلايا للفيروس.
إستطاع الباحثون أيضاً من إكتشاف إثنين من المواد المحفزة والتي تؤثر علي NRF2 يسمي الأول ميثيل باردوكسولون bardoxlone methyl وهو أحد العقاقير التي تم تصميمها لعلاج الإصابة المزمنة في الكلي والثاني يسمي سلفورافان sulforafane وكلاهما يوقف تضاعف فيروس الهربس في الخلايا، مما يؤكد دور عامل النسخ NRF2 في مقاومة الفيروس. كذلك أوضحت الدراسة المرحلة في دورة الخلية التي يستغلها الفيروس وتمثل موطن الضعف فيها والتي يستغلها الفيروس في الهجوم.
في دراسة حديثة أخري، تمكن باحثون من جامعة كورنيل معهد باكير لصحة الحيوان في إيثاكا NY من إكتشاف السبب الذي يجعل جينات فيروس الهربس الكامنة من النشاط والعودة للعمل مرة اخري. ركزفريق البحث علي جينات الفيروس التي تتحكم في بدء النشاط الفيروسي والأخري التي تغلق النشاط وتدخله في مرحلة الكمون، بما سوف يساعد علي إيجاد مضادات فيروسية لعلاج فيروس الهربس والقضاء عليه، عن طريق التحكم في جينات الفيروس، نشرت الدراسة في مجلة PLOS Pathogens في 14 نوفمبر 2019.
دكتور رضا محمد طه