السبت 21 ديسمبر 2024
توقيت مصر 20:57 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

يا قدس: كل أرض ولها ميلاد كل فجر وله ثائر

عشرات من شباب الأمة الشجعان أعادوها وأعادونا إلى صدارة ما يهتم به هذا العالم..ومتى..؟فى أوج الجائحة.. إنها أيام الله فى رمضان عبر الزمان والمكان..هل نذكر(يوم بدر)بوابة الأمة إلى النصر.. وكل نصر في كل تاريخ ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)..هل نذكر عين جالوت( 25 رمضان) يوم حفظ المسلمون العالم من(جائحة المغول)كما قال أرنولد توينبى  المؤرخ البريطانى الكبير..هل نذكر حرب رمضان فى سيناء التى حفظت (شرف الأمة)كما كتبها الشهيد عبد المنعم رياض بدمه على جبين الجيش خوفا من الإنزلاق الناصرى إلى(مبادرة روجرز) وعودة الأرض بلا حرب .  

حين إسترد صلاح الدين القدس عام 1187م كتب رسالة شهيرة إلى(ريتشارد قلب الأسد) قال له فيها :هذا الاحتلال كان شيئا عرضيا ولن يمكنكم الله من أن تشيدوا حجرا واحدا فى هذه الأرض طالما استمر الجهاد.    كما حكى لنا بهاء الدين بن شداد كاتب سيرته وقال لنا ولأولادنا وأحفادنا: عاش صلاح الدين 55 عاما جاهد فيها طوال حياته ..متجردا من الأهواء والأطماع والأكاذيب ما استطاع ..خاشع القلب ,غزير الدمع , سماعا للقرآن, لا يصلي إلا في جماعة ,حريصا على قيام الليل, متهجدا متبتلا داعيا ربه , يحث جنوده على قيام الليل, دائم الترديد والتذكير بحديث الرسول الكريم (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم..).. 

****** 

يقول النبى أرميا الذى عاش فى الفترة من 650-585 ق.الميلاد (مثل خزى اللص إذا وقع ..هكذا خزي أل إسرائيل هم وملوكهم ورؤساءهم.. إذ يقولوا للخشب أنت أبى.. وللحجر أنت والدى لأنهم أداروا نحوى قفاهم لا وجوههم.).. قفاهم .. بالضبط هو قفاهم.. هل لاحظتم( قفا) نتنياهو !..هل لاحظتم(قفا) بينى جانتس! لابد أن هناك سر تاريخى في هذا(القفا) و إلا ما كان اشار إليه النبى أرميا من قبل ميلاد السيد المسيح  بخمسمائة عام سيدنا عيسى عليه السلام .. والذى يحتفل إخوتنا الأقباط بذكرى دخوله القدس في أحد الشعانين المشهور .. دخلها عليه السلام ليكون حربا على الكتبة والفريسيين الذين يقولون ما لا يفعلون.. قائلا لهم : ويل لكم أيها المراءون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل وتطيلون صلاتكم ..أنتم تشبهون قبورا بيضاء تظهر من خارج جميلة وهى من داخلها عظام أموات.. وهكذا أنتم أيضا .)   

هل تذكرون (فايجن) اليهودى فاقد الضمير فى رواية (أوليفر تويست) الشهيرة لتشارلز ديكنز عام 1838م والذى يصفه قائلا :(متغضن الوجه طاعن السن كان وجهه المنفر الناضح بالشر محجوبا وراء كتلة من الشعر الأحمر المتلبد.. مقطب الجبين محمر العينين محتقنهما.. إلى درجة بدا معها لا رجلا من الرجال ولكنه شبح رهيب غادر القبر منذ لحظة).             

 أراد ديكنز من خلال هذه الرواية أن يبين مخاطر(الشخصية اليهودية) على المجتمع الإنجليزى فرسم صورة(فايجن)من خلال معرفته الدقيقة بسلوكيات وأخلاقيات الشخصية اليهودية..فدخل فى أدغالها ووصفها لنا فى الرواية على أوضح ما يكون : مولعا بالمال شديد الحذر شديد الخوف شديد البخل شديد القسوة والعنف في حال القوة واستضعاف الخصم ..عنيف غاضب متوعد متجهم عندما تمس مصالحه أو تهدد.. خاصة إذا كان الطرف الآخر ضعيفا ولا يخشى جانبه ولا يتوقع غضبه وثورته..وشديد الخوف والركون عند مواجهة خصم قوي.. سنرى فى الرواية الشهيرة أنه عندما اشتد الشجار بين فايجن والشابين الذين عادا بدون(أوليفر)ضرب أحدهما فى الوقت الذى دخل فيه (سايكس) الذي لاحظ ما يقوم به,  فققال له:( أيها اللص العجوز الجشع الشحيح الذي لا يشبع؟ إني لأعجب لماذا لا يقتلونك لقد كان خليقا بي أن أفعل لو كنت مكانهم ..أنت لا تصلح إلا للوضع في زجاجة كنموذج نادر للبشاعة) ولم يغضب(فايجن)من هذا الكلام لأنه أمام خصم معاند أقوى منه.. فاكتفى بالقول: (صه صه! يا مستر سايكس لا تتكلم بصوت عال إلى هذا الحد ). 

ليس ديكنزفقط من اهتم بكشف الطبيعة الجوهرية (للشخصية اليهودية )..كذلك كان كبار الكتاب والروائيين الروس تولستوي وتورجنيف وجوجول..دوستويفسكي كرس جزءا مهما من أعماله خاصة(منزل الأموات) لنقد الشخصية اليهودية  وله مقالة مهمة جدا بعنوان ( المسالة اليهودية) متاحة علىالانترنيت ..اصحاب المصالح منهم اعتبروا أن هذه الأعمال هى المؤسس الحقيقي لما يسمونه (معادة السامية) ولكن لأن هذه الأسماء الكبيرة تمسحهم مسحا بعطائها الفكرى الكبير للانسانية فلم ييذهبوا بعيدا فى عدائها ..وهل ننسى تاجر البندقية لشكسبير. 

******* 

دعونا نتذكر فى  هذه الأيام المباركة لنزداد يقينا وإطمئنانا بقرب النهاية  أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي مجرد وجودها – وليس أمنها فقط ! - مثار جدل ونقاش ..وحتى هذه اللحظة..ويكفى أن نعلم أن المفكرالأمريكي الأشهر نعوم تشومسكي 93 عاما (اليهودي النبيل) قال واصفا المجتمع الإسرائيلي بأنه لم ينتج سوى(هتلرات صغيرة) ليس هذا فقط  بل وقال ايضا :وأن هذه الدولة خطرعلى اليهود أنفسهم وهى وتتجه في خطى ثابتة نحو العدم.. 

هل رأيتم الهتلرات الصغيرة حول الأقصى وفى ساحة باب العمود الأيام الماضية .. وعلى من يصولون ويجولون.. مثل فايجن ؟ على شباب وفتيات وسيدات وشيوخ يصلون ويذكرن الله في رمضان وفى المسجد الاقصى.. مسرى النبى محمد صلى الله عليه وسلم.  

***** 

سنة 1953 التقى العالم الشهير اينشتين( 1879-1955) بالأستاذ هيكل بوساطة من د/ محمود عزمى( 1889-1954)الصحفى والبرلمانى الشهير ومندوب مصر فى الأمم المتحدة ..أثناء زيارة قام بها ا/هيكل إلى أمريكا.. ويبدو أن الأجهزة المعنية والممدودة هنا وهناك مهدت للزيارة وأخبرت اينشتين بعلاقة ا/ هيكل بما يجرى الآن فى المنطقة وخصوصية علاقته بحركة الضباط .. فأطال الوقت المخصص للمقابلة ودعاه إلى منزله وحمَله رسالة خطية إليهم يسأل فيها عن خطتهم لحل الصراع بين اليهود والعرب... بل ويعرض خدماته لا كمجرد وسيط وإنما كـ(عامل محرض) كتاليست كما قال _بلغة الفيزيائيين_ وأكد نفس المعنى فى رسالة له إلى نهرو الزعيم الهندي كي يحدث مصر في ذلك...  

لم يسفر كل ذلك عن أى شىء لأن الكلام الذى كان على الورق وقتها في الردهات الخلفية للغرف السفلية هو ما حدث .. وكان في الحقيقة هو الأهم .. وهو أن يتم وقف نمو مصر التى كانت فى تقدم متزايد  في الحقبة الزاهية (1919- 1949م) فكانت فصول المسرحية تكتب سطرا سطرا إلى حيث 5 يوينو .. والباقى تفاصيل لا تهم ..إذ ستصنع الأحداث نفسها بنفسها وفق قوانين تاريخية تتصل باليأس والتفاهة وغياب المعنى والقيمة والهدف.. 

***** 

ما يعنينا فى الموضوع أن اينشتين كان يرى أن دولة يهودية هى دولة مرشحة بكل معايير التاريخ إلى الفناء .. الفناء الفنوء فنيئا فنأنا ..والمسألة فى ذلك هى مسألة متى ..؟ لا كيف..؟ عالم الفيزياء الشهير كانت له صولات وجولات فى قصة الصهيونية والدولة اليهودية فى أرض الميعاد.. وعرضوا عليه رئاسة دولة إسرائيل وقت إعلانها ... الحاصل أن الرجل  وقال وسمع ونشر وكتب الكثير حول هذا الموضوع وتبقى أشهر مقولاته فى ذلك كما صرح بها في أحد حواراته (إن إدراكى للطبيعة الجوهرية لليهودية يقاوم فكرة دولة يهودية ذات حدود وجيش وقدر من السلطة الدنيوية ..بغض النظرعن هذا القدر..وإننى أخشى من الدمار الداخلى الذى سيلحق باليهودية جراء ذلك).. وهذا ما كان يردده دائما أستاذى وأستاذ كل الأجيال د/ عبد الوهاب المسيرى . 

دعونا نقول مع محمود درويش:  

ويا صديقي..أرضنا ليست بعاقر..
كل أرض..ولها ميلادها..
كل فجر..وله موعد ثائر.. 

Twitter:@elhamamy