الإثنين، 03-05-2021
10:37 م
" إذا لم يكن
الله موجودًا فكل شيءٍ مباح " عبارة صكَّها الأديب الروسي (
دوستويفسكي) في روايته
الجريمة والعقاب، ولكن ما معناها؟ معناها من الوضوح بحيث أنه لا يطلب منا مجهودًا فالعبارة فسرت نفسها بنفسها، وجاء تفسيرها عمليًا وبارزًا وملموسًا بحيث لا ينكره إلا جاحدٌ أو أعمى، وليس هذا من الهجوم في شيء، ف
المؤمنون لا يهاجمون غيرهم مجانًا، ولكنها الحقيقة وسوف نبينها في هذا المقال مع أنها في غير حاجةٍ إلى بيان، ولكنها ذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
إن وجود
الله يعني وجود الرقابة العليا، ف
الله لم يترك الناس هملاً، والفوضى ليست من
طبيعة الكون، بل النظام هو ال
طبيعة المطلقة، كل شيءٍ بنظام، والظلم وإن كان يحمل ضمن ما يحمله إجحافًا بحقوق الناس، وجرحًا لمشاعرهم، فهو إلى هذا وذاك مرادفٌ للفوضى.
إن وجود الباري إنما يعني وجود إدارة كونية لا يعزب عن علمها مثقال ذرة، فكل صغيرٍ وكبيرٍ مُسْتَطَر، وتأملوا معي
سورة (ق) وتحديدًا عند قوله تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد* إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد* ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد " ولأن القرآن يفسر بعضه بعضًا فإن الآية السابقة تفسر قوله تعالى في
سورة يس: " إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين" ولكن..
لكن ماذا؟ لكن البعض يتسائل عن هؤلاء الذين يموتون وقد ظلموا غيرهم ولم يدركهم عقاب، هل يمكن القول أن عدالة الباري تخلفت عنهم؟ بالطبع لا؛ لأن هناك جولةٌ أخرى، إنها..... يوم القيامة.
القيامة التي قال عنها ربنا في كتابه العزيز: " وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن
الله على كل شيءٍ قدير" إنها إذن قريبة؛ بل هي أقرب من لمح البصر ولما قال ربنا في
سورة الأحزاب وتحديدًا في الآية الثالة والستين: " وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا " فإن (لعل) هنا للتحقيق والمعنى إن الساعة تكون قريبا، ولكن متى هذا القريب؟ الإجابة نجدها في
سورة الأعراف: " ثَقُلَت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة " قال البغوي رحمه
الله في شرح
السنة: أي خفيت، وإذا خفي عليك الشيء فقد ثَقُل. وأما بغتة فتعني فجأة، إنها المفاجأة الكبرى "يوم تذهل كل مرضعةٍ عمَّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سُكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب
الله شديد " وفي
سورة النجم قال تعالى: " أزِفَت الآزِفَة " يعني دنت القيامة واقتربت الساعة، فسمى القيامة آزفة أي قريبة لأنها لا محالة آتية وكلُّ آتٍ قريب.
وصح في الحديث عن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: " تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم، والرجلان يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم، والرجل يَلِطُ في حوضه فما يصدر حتى تقوم ". والمعنى: تقوم الساعة والرجل يحلب الحلوب (ناقةٌ أو شاة) فما يصل إناء اللبن إلى فمه إلا وقد قامت الساعة فلا يتم الشرب، وتقوم الساعة ورجل يشتري ثوبًا وآخر يبيعه فما تتم الصفقة، وتقوم الساعة والرجل يلصق الطين بحوضٍ تشرب منه أنعامه ليصلحه فما يتم الإصلاح.
ويقول تعالى في
سورة يس: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين* ما ينظرون إلا صيحةً واحدةً تأخذهم وهم يَخِصِّمون" أي يختصمون في أمر الدنيا وفي متصرفاتهم فيها.
إنها الساعة لا تجيء إلا فجأةً والناس في الدنيا لاهون في أعمالهم، بل إنها لا تقوم إلا وقد بلغ الإنسان قمة التقدم والعمران " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيَنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تَغْنَ بالأمس كذلك نفصل الآياتِ لقومٍ يتفكرون "
سورة يونس، آية 24.
وفي الحديث المتفق على صحته عن سهل بن سعدٍ رضي
الله عنه أن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا، بالوسطى والتي تلي الإبهام، بعني بالسبابة: " بُعثتُ أنا والساعة كهاتين " وقيل في تفسيره أنه صلوات
الله وسلامه عليه أراد إخبارنا بأن ما بينه وبين الساعة من مستقبل الزمان بالإضافة إلى ما قد مر هو مثل مقدار طول الوسطى على السبابة.
وهكذا عني الإسلام بعقيدة البعث عناية تامة فجعلها من أُسِّ عقائده ومرتكزات الإيمان فيه، لأنه لو مات الظالم والمظلوم ولم يكن هناك بعث فإن هذا العالم بما فيه ومن فيه لا يكون إلا مسرحًا للعبث و
الله عز وجل لم يخلقنا عبثا وهو الذي قالها في صراحة بليغة " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا تُرجَعون " فهذا هو الإيمان ب
الله والبعث، ليس فيه ما يناقض العقل، بل إن العقل هو الإيمان.
فيا عجبًا كيف يُعصى الإله.. أم كيف يجحدهُ الجاحدُ
وفي كل شيءٍ له آيةٌ.. تدل على أنه الواحدُ.