الأربعاء، 02-09-2020
07:44 م
لم تكتشفه الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية ولا أي صحيفة ورقية وإلكترونية يعمل فيها مئات الصحفيين المحترفينِ. كذلك لم تنل هذا السبق قناة فضائية واحدة ممن يتقاضى بعض منتسبيها عشرات الآلاف شهريا.
إذا كان
بائع الفريسكا إبراهيم عبد الناصر حصل على مجموع إعجازي في الثانوية العامة 99,6% وتحقق حلمه بدخول كلية الطب معتمدا على اجتهاده فقط بدون دروس خصوصية وسناتر فهو لا يملك مصاريفها، فإن من قدمه للناس ليس وسيلة إعلامية من الإعلام المعروف الذي يقطف الإعلانات وينفق مقابلها الملايين في صناعة المحتوى وصناعة النجوم.
لولا موبايل الدكتور حاتم خاطر وصفحته على الفيسبوك ما سمع أحد عن
بائع الفريسكا، لا الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي، ولا الذين أعلنوا عن تقديم منح له لدراسة الطب مجانا.
هل نقول عن الإعلام التقليدي أنه كسول لأنه لم يكتشف
بائع الفريسكا العبقري على أحد شواطئ الساحل الشمالي؟.. أم أن زوايا ومنحنيات اهتماماته لا تدرك أن السبق والخبر الحصري يتوفران في أماكن غير تقليدية وغير معتادة.
في زمن تتشارك فيه كل وسائل الإعلام في الحصول على معلومات من ميادين الحروب والسياسة دون أن يتاح لإحداها التميز عن الأخرى وخطف جمهورها، يبقى الهم الأكبر.. كيف نفكر في مكان لم تستبحه عدسات المصورين وكاميرات القنوات. هنا تكمن العبقرية ويجلس الإنفراد الذي تحقق لصفحات
التواصل الاجتماعي.
كان الدكتور حاتم يجلس مع هاتفه المحمول يتفحص المكالمات الفائتة وبعض الأخبار والفيديوهات وبين الحين والآخر ينظر إلى مرتادي الشاطئ لعله يظفر بفيديو للذكرى، وقد عثر على ضالته حين وجد أمامه الشاب الصغير
بائع الفريسكا وهو ينادي ذلك النداء التقليدي الذي طالما سمعناه ونحن نجلس تحت الشمسية على الشاطئ، وطالما اشترينا منه تلك الحلوى الجميلة التي يبقى مذاقها جاذبا لنا من الصيف للصيف.
لا أعرف كيف تحركت حاسة الفضول عند الدكتور حاتم، تلك التي نسميها نحن أهل
الصحافة المحترفة بالحاسة الصحفية، لكنه على أي حال اشتم أن هناك خبرا يختفي وراء
بائع الفريسكا، شيئا غير عادي. إنفراد أو سبق أو قصة حصرية.
عادة ما نتجاذب أطراف الحديث السريع مع الباعة الذين يمضون بيننا ونحن على الشواطئ. نسألهم مثلا عن سعر ما يبيعونه ونفاصلهم فيه. لكن الدكتور حاتم التقط بادئ ذي بدء أن
بائع الفريسكا طالب ثانوية عامة ظهرت نتيجته توا وأنه من طلاب المرحلة الأولى أو مرحلة المتفوقين، وأول رغبة سجلها هي كلية طب الإسكندرية، وبالفعل يطرق بابها فهو حاصل على مجموع لا يصدق.
وهو يوثق ذلك بكاميرا هاتفه المحمول لم يدر بخاطره أنه يسجل عملا صحفيا عبقريا ستتناوله وسائل الإعلام العالمية وسيلتقطه أهل الثراء ورغد العيش بالإعجاب والحسد البالغين.
بمجرد أن نشر الفيديو على صفحته بالفيسبوك حقق ملايين المشاهدات. ثم بدأت وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وتليفزيون ومواقع متابعة القصة والجري لمقابلة الشاب المتفوق. وأصبح مادة للحديث على طاولات الوزراء وساحات المؤتمرات في مصر والعالم العربي.
والمحصلة أن الإعلامي المحترف يأخذ مادته من شخص لم يدرس الإعلام أو يمارسه لكنه يلتقطه بالفطرة الإنسانية، تساعده التقنية الحديثة على تقديمه في جزء من الثانية إلى العالم.
هل جاء الوقت للتخلي عن الانفاق الهائل على الصحف والقنوات وترك الساحة للسوق الحقيقي وفرسانه الجدد؟!