الإثنين، 16-11-2020
03:44 م
إذا قال باحث أو مؤرخ إن الرومانتيكية
الغربية استلهمت بعض السمات و الشخصيات الإسلامية وخاصة النبي محمدا صلى الله عليه بشكل مباشر وغير مباشر ، فسوف يتفق معه الكثيرون ، بل وربما يكون هناك إجماع نقدي على تلك المقولة ، فكتاب كبار في الرومانتيكية الألمانية مثل جوته Geothe و يوهان جوتفريد هردر Johann Gottfried Herderو(حتى المتأرجحين رومانتيكيا) مثل هاينه Heine ، وكتاب كبار في الرومانتيكية الإنجليزية مثل بايرون وكوليردج وورث ، وكتاب كبار في الرومانتيكية الفرنسية مثل جان جاك روسو و فيكتور هيجو ولا مارتين ، وكذلك الرومانتيكية الأمريكية ممثلة في واشنطن إرفنج وإدجار ألان بو، كل هؤلاء تناولوا الإسلام في أعمالهم الأدبية وقصائدهم سواء كان هذا التناول مدحا أو ذما ، توقيرا أو ازدراء ، قبولا أو رفضا . لكن أن يخرج كاتب أو باحث ليعلن أن الرومانتيكة
الغربية قد تأثرت خيالا وروحا نتيجة للاشتباك مع الثقافة الإسلامية ، وأن الإسلام يمثل أحد العوامل المهمة في تشكيل الروح الرومانتيكية وظهور الرومانتيكية
الغربية ، فهذا لابد أن يثير جدلا كبيرا بين المؤرخين والنقاد و الباحثين ، وهذا ما فعله الكاتب الإنجليزي جيفري آينبودن Jefrey Einboden في كتابه المعنون بـ: "الإسلام والرومانتيكية : Isalm and Romanticismالتيارات المسلمة ، من جوته وحتى إميرسون، الإسهامات الإسلامية و المسلمة في الثقافة والحضارة . وعلى الرغم من أن الكتاب صدر في عام 2014م ، فإن الثقافة
العربية و النقاد
العرب لم يلتفتوا إليه كثيرا ، إما عمدا وتجاهلا أو رفضا وتكاسلا . فقضية بهذا الطرح ، لا تعني فقط أن الأرض (بتتكلم عربي) ، ولكن تعني أيضا أن الكون ذاته تأثر بالثقافة الإسلامية ، وربما تكون في هذه المبالغة غمط لحق الآخرين في الإسهام الحضاري العالمي ، فالكل شركاء في إقامة هذا البنيان الثقافي قديما وحديثا . لكن بقليل من التأمل والمناقشة الهادئة يمكن أن نتقبل هذا الفكرة ، ونطرحها للبحث العلمي و الأكاديمي . وربما لا نتعجب عندما نستدعي مقولة هيجل : إن الإسلام مثل مرحلة مهمة في تطوير روح العالم ، ومع ذلك فهو قد أكمل دوره ، ولم نعد بحاجة إليه على حد تعبير هيجل.
وعلى الرغم من تحفظ هيجل على استمراية الدور الذي يلعبه الإسلام ، فإن كتابا آخرين ، لم يتحفظوا ، بل أعلنوا بحب وحماس عن الدور الذي يمثله الإسلام ونبي الإسلام في مركزية الإشعاع الحضاري للعالم ، ومن هؤلاء المتحمسين الكاتب البريطاني توماس كارلايل الذي وصف محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي البطل. وإذا كان جان جاك روسو(1712-1778) يعرفه البعض بأنه أبو الرومانتيكية
الغربية ، فإن جان جاك روسو قد تأثر إلى حد كبير بفكرة التسامح الإسلامي ، واعتبر أن الإسلام أحد المكونات الرئيسة في المجتمع
الغربي. لكن يبدو أن الفضل الأكبر في التعرف على الإسلام يعود للكاتب الفرنسي هنري ديبولنفيرس Henri De Boulainvilliers (1658-1722 ) الذي كان له تأثير كبير في أوروبا حتى يبدو أنه كان سببا رئيسا في تراجع فولتير عن النقد الذي وجهه لنبي الإسلام في بداياته الأدبية ، وأشاد به في أواخر حياته. لقد كان للشرق Orient تأثير كبيرعلى
الغرب Occident من خلال ترجمات القرآن الكريم على الرغم من عدم دقتها ومغالطاتها ، ومن خلال الأدب الصوفي ،والفارسي ، وترجمة ألف ليلة وليلة حتى أصبح الشرق يمثل عالما سحريا للعقلية
الغربية ، فكثرت هجرات الأدباء و المفكرين
الغربيين للتعرف على الثقافة الشرقية و برزت أعمال أدبية تحمل اسم الشرق والشرقيات ومنها الشرقيات Les orientales لفيكتور هوجو التي تأثرت كثيرا بالحرب اليونانية التركية في ذلك الوقت ، والتي كانت تحمل غضبا واحدا ضد الشرق قبل أن يعيد هوجو القراءة الناضجة ، ويقدم أعمالا أخرى أكثر إعجابا وانبهارا. إن ادعء بعض المؤرخين
الغربيين أن الرومانتيكية
الغربية كانت تمردا على عصر التنوير ، دون تقديم مبررات لهذا التمرد ، ودون تحليل لعوامل هذا التمرد الذي جاء نتيجة للاشتباك كع روح وثقافة الشرق ، يجعل الحاجة ملحة لإعادة كتابة التاريخ
الغربي الوسيط والحديث لاكتشاف تأثير نبي الإسلام والقرآن في تشكيل الوجدان و الفكر
الغربي فين كمثير من مراحله ومحطاته التاريخية ، تصديقا لقوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .وفي النهاية هل يمكننا أن نتسم بشيء من الجرأة لنقول : إن كلاسيكية الشرق رومانتيكية
الغرب.