السبت، 31-10-2020
09:18 م
لابد بداية من الاعتراف بشجاعة مانويل
ماكرون في التراجع أو المراجعة أو التصحيح. لقاءه (السبت) مع
قناة الجزيرة يحمل كل هذه الدلالات.
تحدثت في مقال سابق عن خلفيته المصرفية والبنكية التي لم تتح له التعامل بشكل جيد مع المصطلحات والتعبيرات المثيرة للجدل والمشاكل خصوصا عند ترجمتها وإمكانية خروجها عن المقصود.
خلفيته الثقافية ليست بالعمق التي تتيح له اختيار الكلمات بدقة وحذر كما فعل رئيس دبلوماسيته جان ايف لودريان وزير الخارجية الذي تعامل بحكمة مع الأزمة وخرجت منه التصريحات واضحة لا تحتمل القسمة على أكثر من معنى.
وكما كان شجاعا في عرض وجهة نظره، علينا أن نكون أكثر شجاعة في النظر بتقدير إلى ذلك وعدم التمادي في المواجهة، فليس في مصلحة
المسلمين الوصول إلى درجة العداء الذي لا رجعة منه مع دولة علمانية كبرى لها تاريخ مشهود مع الحضارة الإسلامية وحضارات الشرق عموما، فقد ترجمت القرآن الكريم في السربون، كما قال، في القرن السابع عشر وتناوله علماؤها بالدراسات والأبحاث، ولا ننسى دورهم في اكتشاف حضاراتنا القديمة، كما حدث مع حجر رشيد في مصر 1799، بواسطة عالمهم شامبليون، وهو الاكتشاف الذي فتح لنا أسرار حضارة عظيمة مدفونة تحت الأرض.
يقول
ماكرون إنه لا يؤيد
الرسوم الكاريكتورية المسيئة، وإنما يدافع عن قوانين العلمانية أو اللائكية الفرنسية التي بدأت منذ عصر التنوير واكتملت بنهاية القرن التاسع عشر.
وأهم هذه القوانين هو حرية التعبير، ودوره هو حمايتها، وكرئيس للجمهورية لا يستطيع غير ذلك. لم يؤيد هذه
الرسوم ولكن ما قاله خضع للترجمة الخاطئة والتحريف، هذا كلامه أو خلاصة ما يريد توصيله للعالم الإسلامي.
يشرح
ماكرون أنه يحمي حرية الإنسان في أن يقول ويكتب ويرسم ما يريد، لا يمكنه تضيق الحديث عن الأديان وإلا فإن الحرية ستضيق تباعا.
في العالم الإسلامي نرد بأن للحرية حدودا ولا يجب أن تصل إلى حد التجديف في الدين، وهذا فهم غير سليم لمبادئ العلمانية الفرنسية التي يعجز
ماكرون أو غيره من حكام فرنسا على تغييرها.
في عالمنا الإسلامي ليس هناك فصل بين الصحافة والسلطة.. ولذلك نتصور أن ما تناولته صحافة فرنسا أو رسومات مجلة شارلي ابيدو تعبر عن الحكومة أو رئيس الدولة.
ليس يعني هذا الموافقة على تلك
الرسومات، ولكن الحكومة لا تملك ايقافها لأنها لا تستطيع نقض قوانين الجمهورية. في عالمنا الإسلامي لا تستطيع الصحافة عرض رسم كاريكتيري لزعيم الدولة وأحيانا حتى لزعيم دولة أجنبية ويزج بالصحفيين في السجون وهذا ما تحول دونه قوانين فرنسا. الصحفي وفق هذه القوانيين ليس أداة دعاية أو بروباجندا على حد تعبير
ماكرون في اللقاء.
علينا أن نتفهم شرح وتفسير
ماكرون ونتقبل توضيحاته الجديدة. ومنها أن ممارسات بعض
المسلمين في أزمة وليس الإسلام نفسه، والمتطرفون يسيئون إلى الدين وهم لا يفهمونه وبعض الذين يفهمونه أو يدعون ذلك يشجعونهم على العنف، و80% من ضحايا الإرهاب من
المسلمين.
لا يجب التوقف أمام هل هذا اعتذار من
ماكرون أم تراجع أم مراجعة. الحقيقة التي يجب أن نتوقف عندها ونقبلها بحسن الظن أن جديده كلام مقبول جدا وتفسير منطقي لتصريحات سابقة مثيرة للجدل والغضب.
إذا كان رد فعل العالم الإسلامي وترجمة غضبه المبرر #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية وهي الدعوة التي قادتها الشبكات الاجتماعية وتبنتها وأتت ثمارها، فمن العقل التوقف عن ذلك وقد تحقق هدفها، أما التمادي فإنه يجعل المقاطعة على المدى البعيد بلا تأثير ويحولها إلى تدخل في سيادة دولة، لأنه يعني الرغبة في تغيير قوانينها التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرن.
كما أن السياسة هي فن إدارة المصالح وقد طبقته الإدارة الفرنسية بحوار
ماكرون مع الجزيرة، فإن على
المسلمين في المقابل فن إدارة الغضب، الذي ينبغي أن يكون قصير الأمد بأهداف غير مستحيلة وقد تحققت بالفعل.