الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 20:41 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"

أسامة شحادة
في زمن الكورونا كوفيد 19 تتساقط كثير من السرديات الفكرية والفلسفية  الوضعية والبشرية على أرض الواقع، فالحريات الفردية تسببت بكوارث، سواء على صعيد حرية أكل الخفاش في الصين أو حرية الانفلات وعدم التقيد بالتعليمات الوقائية في إيطاليا، ونظريات مثل (دعه يعمل دعه يمر) نصبت في وجهها الحواجز الأمنية والشعبية، وقد فصل ذلك الأستاذ يوسف سمرين في مقالة مفصلة بعنوان "حين تهتز فلسفات سائدة بحدث".
وفي مقابل تساقط واهتزاز هذه الفلسفات في زمن الكورونا فإن رحمة الإسلام وعالميته للبشرية تتأكد وتترسخ يوما بعد يوم، ويتبين من ذلك جوانب وملامح عديدة.
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء: 107)، فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبعثه الله عز وجل إلا رحمة للعالمين، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنّهم، وحتى الحيوانات والنباتات جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليعمها بالرحمة، حيث أرشد الناسَ لحسن التعامل مع الحيوان والنهي عن إتلاف الشجر بلا سبب.
وتتجسد عالمية الإسلام بصور شتى منها: أن نصف البشرية عمّته رسالة الإسلام في سنوات قليلة، ففي أقل من نصف قرن من البعثة النبوية كان الإسلام قد وصل الصين شرقا وأطراف الأطلسي غربا، برغم صعوبة المواصلات واعتماد الدواب في التنقل! ولكن قوة الإيمان عوضت نقص القدرة والإمكانيات.
واليوم برغم ضعف الإيمان إلا أن توافر القدرة والإمكانيات جعلت تبليغ الإسلام وعقيدته وأحكامه متاحا لغالب البشرية، فربما لا توجد بلد أو بقعة اليوم لم يصلها الإسلام أو المسلمون، وربما لا تكاد توجد لغة رئيسة في العالم اليوم لا تتوفر فيها ترجمة لمعاني القرآن الكريم أو مواد تعرض الإسلام، وقد ساعدت الوسائل الحديثة في الاتصال والمواصلات في تسهيل بث ذلك في أرجاء الكوكب.
ومن مظاهر عالمية الإسلام ورحمة الرسالة المحمدية أن عقائدها وأحكامها تصلح لكل البشرية على اختلاف أجناسهم وأماكنهم وأزمانهم، وهذا مجال واسع لا يمكن اختصاره واختزاله في مقال واحد، لذا سأقتصر على ذكر الأحكام والعقائد الإسلامية التي تظهر رحمة الإسلام مما يتعلق بنازلة فايروس الكورونا.
1-من رحمة الإسلام تحريمه أكل الخبائث كالميتة والخنزير والخمر ويلحق بها المخدرات والدخان والسباع وذوات المخالب، ومنها الخفاش، لأنها لا تصلح لصحة الإنسان وفيها مضار مؤكدة، ولم يترك ذلك لحريات الناس لأنهم لا يعرفون حقيقة مصلحتهم، والأيام تثبت كل حين صحة تحريم الإسلام للخبائث وأن ذلك رحمة للبشرية، وتثبت ضرورة وجود قانون إلهي يحدد المسموح والممنوع من الطعام والشراب، وعدم ترك ذلك لأهواء الناس.
2- مِن رحمة الله بالبشر أنه شرع لهم الطهارة والنظافة وجعل ذلك جزءا متكررا في كل يوم وليلة، وأن ذلك مفيد لأرواحهم وقلوبهم وأبدانهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الطهور (الوضوء) شطر (نصف) الإيمان" رواه مسلم.
واليوم يجعل الأطباء غسل اليدين المستمر أساس الوقاية من الوباء، وأن عدم غسل اليدين عند قضاء الحاجة من أسباب كثرة الأمراض عند الناس، بينما الإسلام يقيم منظومة طهارة متميزة بنوعيتها باستخدام الماء، وكاملة لكافة أحوال الإنسان من قضاء الحاجة إلى الوضوء إلى غسل الجماع إلى غسل الجمعة والاغتسال للعيد والحج والعمرة، مع الأمر بنظافة الثياب والمكان وآداب العطاس والتثاؤب، وتحريم الوشم، كل هذا من رحمة الله عز وجل بالناس أن تصيبهم الامراض والآفات، وقد حدى ذلك بعض الباحثين والمجلات الغربية لنشر مقالات مفصلة الأن عن تفوق الإسلام في قضية الطهارة، ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
3- يجمع الأطباء أن المدخنين هم من أكثر الناس عرضة للإصابة بمضاعفات فايروس كورونا كوفيد 19 والذي يتسلط على الرئتين، ومعلوم أن المدخن تكون رئتاه في حالة بئيسة لا يمكنها المقاومة كثيرا.
ومثل المدخنين مدمنو الخمر حيث أن الخمر يدمر الكبد مما يعطل دوره المناعي في الجسد، وبعض الأطباء يعزو كثرة وفيات الشباب في أوروبا بسبب الكورونا لإدمانهم الخمر.
فمن الرحمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر وأشباهه من المخدرات والتدخين  والأرجيلة لما تسببه من أضرار، وهذا يشمل البشرية جمعاء في كل مكان وزمان.
4- بعض التحليلات الطبية تحذر من خطر حالات الخوف والفزع من فايروس كورونا كوفيد 19 على ضعف مناعة الجسم وتدني مقاومته مما يتسبب بالوفاة حتى للشباب وليس لكبار السن والمرضى المزمنين، كما أنه نقلت عدة حالات انتحار بسبب الاصابة بالكورونا.
وهذا كله نابع من غياب العقيدة الإسلامية عن هؤلاء، والتي تؤصل في نفس كل مسلم أن الأمراض فرصة لتكفير الخطايا ورفع الدرجات، وأن الوفاة بالطاعون والأوبئة نوع من أنواع الشهادة في سبيل الله عز وجل، كما أن الموت في معتقد المسلمين ليس نهاية الحياة، بل هو انتقال لحياة برزخية مؤقتة قبل الانتقال للحياة في العالم الآخر الجنة أو النار.
ولذلك نجد المسلمين في الغالب تعاملوا مع وباء الكورونا بالأخذ بالأسباب الشرعية والصحية، فتم تجنب التجمعات وعطلت الأنشطة العامة وشمل ذلك المساجد والصلوات الجماعية وشمل ذلك الحرمين الشريفين، وبرغم حصول إصابات وبعض الوفيات إلا أنه لم نشهد حالات الفزع والانتحار كما حدث عن الآخرين، وهذا كله انعكاس للرحمة الربانية في عقيدة التوحيد.
5 – ولعلاج تبعات كارثة كورونا الاقتصادية تم تخفيض نسبة الفائدة للصفر على القروض، وذلك لتنشيط وتحفيز الاقتصاد، ويتجلى في هذا عظمة الرحمة الربانية بتحريم الربا والتشديد في التحذير منه.
فالربا بذاته فايروس اقتصادي مهلك كفايروس الكورونا، فهل تتعظ البشرية وتحارب الفايروسين (الربا والكورونا) معا قبل  تصببها قارعة جديدة؟ 
6- وخرج علينا ترامب قبل يومين بتصريح يطلب فيه من الأمريكيات استخدام الشال " scarf" وذلك لتوفير الكمامات لاستخدام الكوادر الطبية، ومن رحمة الله عز وجل بالنساء كان تشريع وجوب الحجاب بعامة والنقاب يختلف حكمه بين الوجوب والاستحباب، واليوم بعد محاولات كثيرة لتجريم الحجاب والنقاب أصبح العالم يتسابق على التحجب والتنقب خوفا من الكورونا!! وبطلت كل الخرافات عن أضرار الحجاب والنقاب! أو أنه يكبل العقل والفهم ويعمى على الهوية الشخصية!
هذه بعض المعالم من رحمة الله عز وجل بالبشرية جمعاء في الرسالة المحمدية وكلها رحمة، والتي لن تنعم البشرية بالسعادة إلا باتباعها والالتزام بها، وإلا فإنها على موعد مع كورونا جديد أو شيء من هذا القبيل.