الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 06:04 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

تضحيات الآباء الزائدة وأبناء إعتماديين

رضا محمد طه
في لقطة إعتبرها البعض تعكس مدي قيمة الأب وتضحياته التي لا حدود لها في سبيل أبناءه، هذه اللقطة والتي تداولها الكثير علي مواقع التواصل ويظهر فيها والد طالبة ثانوية عامة وهو ينحني كي يربط لإبنته  الحذاء قبل دخولها لجنة الأمتحان. لم يعرف هذا الأب الحنون أن أحداً يصوره وهو يفعل ذلك حيث قال في مداخلة له علي قناة "أون" أنه لم يدر ماذا يفعل عندما تصربتلك التلقائية، وأضاف أنه إنتظر إبنته خارج اللجان حتي تخرج ليصطحبها ويعودوا لمنزلهم. وأدعو الله أن يكتب لهم جميعاً التوفيق والنجاح.
هل يعتبر هذا المشهد تسويق خاطيء لمشهد بريء وإنساني خالص، أم أن فيه من المبالغة الزائدة في التدليل للأبناء طالما الإبنة التي فعل لها والدها ذلك لم تكن من ذوي الإحتياجات الخاصة ومن ثم هل كان علي الأب فقط أن ينبه إبنته كي تربط حذاءها بنفسها؟، وهل تتطلب ضرورة أن يصطحب الآباء أبنائهم وينتظرونهم خارج اللجان حتي يخرجوا ومعهم العصائر والسندوتشات وأكياس الشيبسي وغيرها؟. بالتأكيد يمضي وقت الإمتحان علي هؤلاء الآباء القلقين والمنتظرون أبنائهم وكأنهم هم الذين يمتحنون مع أبنائهم.
تلك المشاهد التي نراها الآن من أولياء أمور الطلبة ما كنا نراها في أجيالنا أو الأجيال السابقة لنا والتالية لنا، مستحيل كنا نري أب أو أم تفعل ذلك لإبنتها أو إبنها مهما كانت الظروف طالما لا يتطلب الأمر ذلك، فمعظم أولياء سواء الآباء أوالأمهات كانوا لا يدخرون جهداً في توفير كافة إحتياجات أبنائهم لكنهم لا يصطحبونهم للجان الإمتحان وحتي بعضهم كان لا يعبأ بالفرقة أو التخصص التي فيها أبنائهم ناهيك عن موعد أمتحانهم، وذلك نظراً لإنشغالهم غالبيتهم بأمور الحياة، وحتي الأبناء بدءاً من المرحلة الإعدادية كانوا لا يتخيلون أن يصطحبهم أحد من الآباء للمرسة أو للإمتحان، حيث كانوا يعتبرون ذلك عيباً وإهانة لهم أوإنتقاصاً من شخصيتهم.
التدليل والتدخل الزائد في حياة الأبناء يعودهم علي الإعتماد علي الغير طيلة حياتهم، العام الماضي وفي أول يوم دراسي جاء طالب في السنة الأولي وهو في صحبة والدته، وكان المشهد ساخراً ويدعو للإندهاش أن تستأذن الام من عملها كما قالت ودون حاجة علي الإطلاق لكي تكون في صحبة إبنها لتقدمه لأساتذته والمعيدين وهو راجل طويل عريض، السبب بالتأكيد هو تدليل الآباء والمساحة الزائدة في حياة الأبناء هي التي أفرزت مثل هؤلاء الأبناء الإعتماديين.
لا أحد ينكر أن الجميع يحبون أبناءهم أكثر من أنفسهم، لكن التعامل مع الأبناء عندما يكبرون علي أنهم ما زالوا أطفالاً ونقدم لهم فوق ما يحتاجون أو نضطر لتقديم الكثير التنازلات علي حساب منزلتنا عندهم، سوف تكون لها عواقب وخيمة، منها أنهم قد يكونوا سلبيين ويعتمدون علي غيرهم طيلة حياتهم يأخذون ولا يعطون، أكثر منهم شخصيات تعتمد علي نفسها وقت اللزوم، وأيضاً قد تربي فيهم الشعور بالأنانية وحب النفس والمصلحة الشخصية الزائد، وقد يتخلي هؤلاء الأبناء عن مسئوليتهم تجاه أبائهم في وقتما يحتاجون إليهم، فضلاً عن أنهم قد يفشلون في تكوين أسرة لأنهم لم يتعودوا الصبر والقدرة علي تحمل أي مسئولية، ناهيك عن فقدانهم فضيلة العطاء والتضحية من أجل الأسرة، ومن ثم ما نراه من سرعة في قرارات الزواج والطلاق والمشاكل الأسرية العجيبة في مجتمعاتنا.
ذكر بعض أهل العلم حديث رواه بعض السلف وهو "لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وآخه سبعاً، ثم ألق حبله على غاربه" وقد نسب ذلك الأثر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو كلام يتفق مع ما يقوله التربويين في زماننا هذا.