في مثل هذا اليوم 9 مارس 1996، فقد العالم الإسلامي واحدًا من أبرو من حملوا مشعل الوسطية والاعتدال الشيخ محمد الغزالي طيب الله ثراه، والذي مات بذبحة صدرية منفعلًا على أحد الحاضرين خلال مؤتمر في المملكة العربية السعودية، وقد كان الطبيب حذره من هذا الأمر.
في مثل هذا اليوم توفي أحد مجددي الدين الإسلامي الشيخ محمد الغزالي أثناء حضوره مؤتمر إسلامي بالسعودية ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة، وقد ترك لنا تراثآ إسلاميآ عظيمآ في جميع المجالات السياسية والاقتصادية.
ادفنوني في البقيع
ظل الشيخ محمد الغزالى رحمه الله يتمنى ويدعو ان ينال الموت فى مدينة رسول الله وكلما سمعه تلامذته وعائلته يدعو بذلك يستغربون ويقولون هذا دعاء صعب المنال "فما تدرى نفس بأى أرض تموت".
وشاء الله يتم دعوة الشيخ إلى مؤتمر فى الرياض عام 1996 وظل تلامذته يطلبون منه ألا يسافر حتى لا يتطاول عليه أحد من «الأدعياء»، وخاصة أن طبيبه أوصاه بعدم الانفعال ، فرفض وسافر وأثناء المؤتمر اتهمه أحدهم بمعاداة السنة فانفعل عليه واخذ يدافع عن موقفه من السنة وحبه لها حتى أصيب بذبحة صدرية ، وكانت آخر كلماته : " نريد أن نعلو لا اله الا الله " ثم خر ميتا .
وبأمر من الأمير عبد الله بن عبدالعزيز ولى العهد السعودي- وقتها- و بفتوى من الشيخ إبن باز نقل جثمانه إلى المدينة المنورة.
يقول الدكتور زغلول النجار، أثناء الجنازة أتت طائرات خاصة من جميع أرجاء العالم تقل ناس للصلاة عليه حتى امتلأ مسجد رسول الله عن آخره حتى إذا وصلنا البقيع لندفنه كان المسجد مازال ممتلأ إلى البقيع.
يضيف الدكتور النجار " أن الرجل المسؤول عن الدفن فى البقيع قال لنا أن أمر هذا الرجل غريب كلما حفرت حفرة لادفنه فيها الأرض لا تلين حتى جئت إلى هنا فلانت الأرض بين قبرى نافع مولى عبدالله بن عمر ترجمان القرآءن وقبرالامام مالك ابن انس ".
هذا ما قاله الشعراوي عن الغزالي
قال الداعية الراحل الشيخ محمد متوليالشعراوى، « أخى الشيخ محمد الغزالي هو فارسُ كل ميْدان؛ كَلِمُهُ يُقْرأ ويُعْجِب، ولسانُه يتكلّم فيُطْرِب، وسلوكُه أُسوة يُعلّمُ الناسَ ما التزَمَ بِه».
خطاب الغزالي إلى الرئيس السادات
أرسل الشيخ محمد الغزالي خطابًا مفتوحًا إلى الرئيس محمد أنور السادات، يرد فيه على هجوم الرئيس عليه، جاء نصه كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السيد/ محمد أنور السادات - حفظه الله - رئيس جمهورية مصر العربية.
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد سمعت العبارات التي تناولتموني بها في مؤتمر "الطلاب"، كانت عبارات قاسية فيها أنى مستغل للدين، وطالب زعامة، ومثير فتنة، ومستجدٍ لعواطف المؤمنين.
وقد استغرب الناس في "مكة" المكرمة هذا الذي حدث كله، ورأوا أن الأمر يحتاج إلى استجلاء ومراجعة، فرأيت أن أتوجه إلى سيادتكم بهذا الخطاب المفتوح.
( 1 ) إنني أعمل في ميدان الدعوة من عشرات السنين، فقد التحقت بوزارة الأوقاف في ميدان الدعوة سنة 1942 إماما وخطيبا ومدرسا، وقبل ذلك ببضع سنين كنت أدعو إلى الله على بصيرة مع أنشط الجماعات الإسلامية، أي أنني أشتغل بالدعوة من أربعين سنة تقريبا، كنت خلالها - علم الله - صادق النية والوجهة.
( 2 ) آخر ما قمت به في القاهرة دفاعي عن قوانين الأسرة الإسلامية في كلمة مسجلة، عامرة بالإقناع والإحصاءات والأدلة الدامغة، ولكنكم قبل أن تستمعوا إليها تناولتموني بالسوء في مؤتمر طلابي بالإسكندرية، واعتبرتموني مسؤولا عن المظاهرة التي خرجت من الأزهر إلى مجلس الشعب لإجهاض القانون المقترح من وزارة الشؤون الاجتماعية بهذا الصدد، ونسبتم إليَّ عبارات لم أتفوَّه بها، وكتبت إليكم أستحث ضميركم كي تتعرفوا الموضوع بدقة، ولكنكم لم تفعلوا، بل تماديتم في إهانتي.
( 3 ) ظهر الآن مَنْ الذي أوعز إلى الوزارة أن تبعدني عن منصبي - المدير العام للدعوة - وعن إلقائي الخطبة في مسجد عمرو بن العاص، ومَنْ رأى أن أُرمى في (سندرة) مسجد صلاح الدين بلا عمل و لا كرامة، ثم قال للصحف: إن ما حدث يرجع إلى صلتي بقضية الكلية الفنية العسكرية، وبديهي أنه لا يوجد هناك ما يربطني بهذه القضايا وأمثالها، ولكن إبعادي عن الدعوة كان غرضا مبيَّتا، لا لشيء إلا لأني رفضت التفريط في حقائق الإسلام وشرائعه .
( 4 ) إن عملي للدعوة الإسلامية خلال أربعين سنة مسجل في عشرات الكتب التي ألفتها، ومئات البحوث والدروس التي تذاع في عواصم العالم العربي، وآلاف الخطب التي ألقيتها في المساجد والمجامع العامة، وهو عمل يتسم بالوضوح، والتجرد، والفكر النقي، والشعور الصادق.
أما وظائفي التي قمت بها في الجهاز الحكومي فهي معروفة، ولم يقع أنى رقيت استثناء أو منحني وزير شيئا، بل كان إخلاصي للإسلام سبب الازورار عنى.. إلى أن شعرت آخر الأمر بأن وجودي في القاهرة سوف ينتهي بكارثة، فاستجبت للعرض الكريم الذي جاءني من السعودية، وعملت أستاذا بكلية الشريعة بمكة المكرمة.
( 5 ) في سنة 1975 أفضيت بحديث إلى مجلة (الاعتصام) قلت فيه: إنني مستعد للتضحية بمرتبي الكبير في الجامعة، ومنصبي العلمي بها، إذا عُدت للعمل في مسجد عمرو، وإلى توجيه الدعوة بوزارة الأوقاف - أي إلى عملي الأول - و نُشر الحديث، ورفضت الوزارة أن تتصل بي لأعود إلى عملي.
والواقع أنني عرضت هذه التضحية لأن رعاية الإسلام في القاهرة جهد يهتم به المخلصون في العالم الإسلامي كله، وفى طليعتهم المسئولون عن التعليم العالي بالسعودية.
و قد كتبت إلى الوزيرين الشيخين (الذهبي) و (الشعراوي) أنى مستعد للعمل بالوزارة في منصب الوكالة الذي يخلو ببلوغ السن القانونية، وهذا تنازل منى لا بد من شرحه لإخراس المتهمين (بقضية الفلوس)، والحصول عليها:
( 6 ) إنني أتقاضى مرتبا يساوى مرتبات خمسة عشر (وكيل وزارة) في مصر، ومنصبي رئيس قسم الدعوة وأصول الدين، وهو أحظى عندي من منصب وزير في مصر، ومع ذلك فقد عرضت أن أتنازل عن هذا كله لأخدم الدعوة الإسلامية في مسجد (عمرو)، وفى مساجد الوزارة التي عملت بها أكثر من ثلث قرن، لكن المبهورين بقضية الفلوس والحصول عليها أرادوا إظهاري وكأنني ذهبت إلى السعودية جريا وراء المال، وزهدا في حراسة الإسلام بالقاهرة.
فنشروا في الصحف كلاما سقيما عن المال الذي آخذه في السعودية، وهم يعلمون أنى عرضت التنازل كتابة، وأن البحث عن المال لم يشغلني في شبابي فكيف يشغلني الآن عن واجباتي؟ وردى عليهم: (حسبنا الله و نعم الوكيل).
( 7 ) لقد منعتني يا سيادة الرئيس من الخطابة في مسجد (عمرو)، وكان يصلى معي في هذا المسجد ثلاثون ألفا على الأقل، فماذا كانت نتيجة هذا المنع؟ استطاع الشيوعيون في الفراغ الديني السائد أن يفعلوا ما فعلوا، وعجيب يا سيادة الرئيس أن تحارب الشيوعية وتخاصم في الوقت نفسه التجمع الديني الذي يقضى عليها، ثم تريد القضاء عليَّ أدبيا بهذه الطريقة التي تناولتموني بها، والتي لا أواجهها إلا بــ (حسبنا الله و نعم الوكيل).
( 8 ) إنني أصارحك بأن الحفاظ على الشريعة الإسلامية هدف لا تنساه جماهير المؤمنين، ومنها شرائع الأسرة التي يحاول بعض الناس اقتلاعها، والتي أثاروك عليَّ من أجل دفاعي الشديد عنها، ولكنى آمل أن تغير موقفك بما يرضي الله ورسوله.
( 9 ) وأخيرًا: أعلن أنني سأنسى الشتم الذي وجه إليَّ، داعيا لك أن تُوفَّق في جعل مصر الإسلامية تؤدى دورها التاريخي في رد العدوان وحماية الإيمان.
محمد الغزالي
رئيس قسم الدعوة وأصول الدين
بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بمكة المكرمة