الثلاثاء، 28-07-2020
07:16 م
د. رضا محمد طه
خطأ يقع فيه الكثير من أولياء الأمور في مجتمعاتنا العربية وهي الجرعة الزائدة والمبالغ فيها عند سرد أمجاد الأباء أو الأجداد أو العائلة عموماً أمام أبنائهم منذ نعومة أظافرهم بأكثر من حثهم علي وتنمية فضيلة العمل والجد والإجتهاد والسعي لتحقيق الذات لأنفسهم ولبلادهم، من ثم تجد الكثير من هؤلاء يكبرون وهم يضعون الماضي وأمجاد أسلافهم أمامهم ليس كحافزاً للمزيد منها بل للتفاخر والإستعلاء علي الآخرين وكسب منزلة وهمية بين الناس.
بعض هؤلاء ضحايا خطأ أبائهم قد يرفعون سقف توقعاتهم بأكثر في مكانة إجتماعية أو منزلة قد لا تتناسب مع واقع إمكاناته وظروفه وتعليمه مما يكون لها تداعيات مهلكة وأقلها الجمود والفشل الإجتماعي، أعرف نموذج من هؤلاء الناس، فقد وقع أصابت أحد الشباب متلازمة "الإعلاء المتوهم للذات" والتي تم تغذيتها في نفسه من قبل أسرته منذ صغره، وترتب عليه أنه كان يطمح في زواج يليق بمكانة أسرته التي يعتقدها وهي في الحقيقة تبعد عن الواقع الفعلي بمسافة كبيرة، جعلته يضع معايير في عروسة بمواصفات لا توجد إلا في الأحلام، الأمر الذي جعله أسير أوهامه ويفشل كذلك حتي الآن في إيجاد مراده رغم أن عمره قد شارف علي الأربعين ولا يزال واهم ويبحث.
جعل الإسلام التمييز بين بين الناس علي أساس الإخلاص والتقوي وذلك كما جاء في الآية التالية ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? [الحجرات: 13]، وكذلك في الحديث الشريف "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن اباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى" (من خطبة الرسول في حجة الوداع.
ينطبق الحال كذلك علي الأمم التي تبالغ في إجترار الأمجاد والإنجازات والتي حققها أسلافهم في عصور سابقة، وفي نفس الوقت لا يقتدون بهؤلاء الأسلاف فيما سعوا إليه وعملوا وضحوا لتحقيق ما أنجزوه، لكن الجمود والإعتماد علي مكتسبات الماضي دائما ما تجعلهم في ذيل الأمم، بل يعيشون عالة علي إنجازات وإبداع وفكر الآخرين، وهؤلاء أصحاب التقدم والتطور في الحاضر قد يستغلون الضعفاء المتأخرين لتحقيق أغراضهم وإستنزاف مقدرات وثروات بلادهم. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية خير مثال علي ذلك، والتي نشات وتأسست وتقدمت وتسيدت العالم في فترة زمنية لا تقاس شيئاً بالنسبة مقارنة بحضارات عمرها آلاف السنين، نظراً لغياب ما أثقلت به الدول ذات الحضارات من ميراث ثقيل من تقاليد وعادات سيئة عفا عليها الزمن.
السبب في ذلك يعود كما أشار أحد المفكرين الراحلين إلي أن الإنسان في مجتمعاتنا العربية يجعل نصب عينه مثال أو مثل والذي يتجسد في شيء أو شخص يتصف بدرجة من الكمال يصعب أن تتواجد خصاله مجتمعة في فرد واحد، مما يزيد الأمر صعوبة بل يسد الطريق علي نفسه من أجل تحقيق ما تستطيعه ملكاته وقدراته، فيلازمه الإحباط والإحساس بالعجز في الغالب من نصيبه مهما إتصفت الهمم من قدرة وحماس، بينما الأشخاص في البلاد المتقدمة والغربية بالأخص، يجعلون القدوة أوالمثالي ideal أمامهم وهي كلمة مأخوذة من فكرة idea والتي تكون مجردة والتي تجعل الأشخاص يجتهدون ويحققون ما يتناسب مع أمكاناتهم الفكرية والعقلية وغيرها، وهم يشعرون بالفخر والرضا علي ما أنجزوه، وأمامهم الطريق مفتوحاً لتحقيق المزيد من التقدم والتطوير.
فلا نتعجب أن تري أبناء لرؤساء أكبر دول العالم وكذلك أبناء أغني أغنيائهم يعملون في مطاعم أو غيرها أماكن العمل للشباب وقت فراغهم خلال إجازاتهم الدراسية، لأنهم يتعلمون بدءاً من الحضانة كيف يعتمدون علي أنفسهم في تحقيق ذاتهم والسعي نحو أمجاد بلادهم والدفع بها لصدارة الأمم.