الثلاثاء 19 مارس 2024
توقيت مصر 05:06 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

قطاع الطريق إلى الله فى رمضان.. من يحمينا؟

من أسوأ ما يمكن أن يواجهه عقل الإنسان فى هذه الحياة هو(التناقض) خاصة إذا كان فعلا وسلوكا ..وحتى لو كان قولا..وقديما قالوا: شر الكلام ما ناقض بعضه بعضا..ما هو غير مفهوم وغير مبرر يرهق العقل والنفس إرهاقا بالغا.. مثال ذلك , أن تجد إنسانا ما يحمل عقلا ومخاً فى رأسه ثم ينكر أن للكون صانعاً.. أنا أفهم أنه قد يكون متكاسلا عن الصلاة مثلا أو منحرف أو حتى لص.. ليكن ذلك, فأنت هنا تتحدث عن ضعف البشر أو غواية الجريمة أو سوء التقدير والتربية..المسألة مفهومة أو مبررة فى حدود حجمها وطبيعتها..
أما أن يكون كل هذا الإبداع المطلق فى الخلق أوما يسمية العلماء(حُجة الصنع) التى تؤكد تأكيدا قاطعا مانعا جامعا أن للكون خالقا عظيما , ثم يأتى من يقول أن الكون ليس له خالق لمجرد أنه لا يراه سبحانه وتعالى علوا كبيرا.. حضرتك لا ترى الكهرباء لكنك ترى أثر الكهرباء ..وقل مثل ذلك فى النيوترون والإليكترون والذرة أو حتى الحمض النووى الذى هو أساس الحياة ويحمل سمات وصفات أجداد أهل أم حضرتك..وأبوحضرتك أيضا.. كيف تؤمن بهم وأنت لا تراهم؟ نحن هنا أمام تناقض خانق وغير مفهوم ..
خذ مثلا نموذج أخر..الفتاة أوالسيدة التى تستهين بجمالها الخاص بها كإمرأة أو ما يمكن تسميته(الأنوثة) وتعرضه فى الطريق العام (للى ما يشترى يتفرج).. أأنت رخيصة على نفسك إلى هذا الحد ؟ خصوصية تكوينك كإمرأة..ألا تحمل لك فى داخل مشاعرك وكرامتك الشخصية ونفسك أى إحساس بالخصوصية المرهفة التى يجب أن تُحفظ وتُصان؟ أن تجرى لاهثة خلف الشائع والمشهور من الموضات أفضل..أم تسعين خلف كرامتك وقيمتك وإحترامك؟.
أنت هنا أيضا أمام تناقض خانق بل ويغيظ وخاصة أنه منتشر جدا..وأكثر بالطبع من الإلحاد وخيبته الخيوبة.. وما يغيظ أكثر هو حالة التراضى العام عن هذا (الإسترخاص)المهين لأحد أروع و أجمل وجوه الحياة
**** 
لكن التناقض الشرس الشرير المقلوب رأساً قدماً هو الذى نراه فى رمضان كل سنة ونتقبله فى حاله (إستبلاه) أبله بلهانا عجيبا هو قصة المسلسلات وبرامج الضحك الممجوج التى تملأ الإعلام فى ضوضاء وصخب ملىء بالسفاهة والحماقة والغثاثة ..
رمضان شهر الصوم الذى يحذف من الإنسانية كلها تاريخ الشهوات نصف يوم طوال 30 يوم كل عام _ كما يقول أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعى_ ليحل محله تاريخ النفس المطمئنة الكريمة .. والقلب الودود الحنون..والعقل الراقى المتأمل للحياة.. والأيدى المبسوطة بالخير والعطاء.. شهر المساجد المعمورة بالذكر و الشكر والعرفان ونسمات الراحة والايمان.. الشهر الذى نرى فيه دفق الحياة الحقيقى يتدفق بعذوبة بالغة بين الليل والنهار والصوم والقرآن.. شهرالسمو والوفاء والنبل والحب حيث خروج الإنسان من دائرة هواه ليكون عبد الله اختيارا كما هو عبد الله اضطرارا..شهر القرآن وإنزاله من السماء إلى الأرض ..ليكون أقرب إقتراب بين الرحمن والإنسان.
وبين القرآن وخلق الإنسان ما لا نعلمه من أسرار..إذ يكفى أن تقرأ الآيات الأولى من سورة الرحمن (الرحمن.علم القرآن . خلق الإنسان)..ويكفينا من أفراح الروح ما تشعر به وهى تتلوا وترتل القرآن بألسنتنا.. وكما قالوا من طلب المعانى من الألفاظ ..تاه وهلك ..إنها الروح .. والمفروض أن الإنسان فى سنواته المعدودة فوق الأرض وقبل أن يصبح تحتها ..عليه أن يتجنب ما استطاع كل ما يورده موارد(التوهان والهلاك) , وهى للأسف كثيرة حتى عند من يطلب ما هو شريف وعزيز, وليس فقط  حقير و فانى من مظاهر الحياة .. وفى الأصل سنجد أن تلاوة القرآن.. مجرد تلاوته..تستر وتجبر الكثير من نقص وقصور ونقائص الإنسان..والأية الكريمة  فى سورة المزمل تقول (علم أن لن تحصوه فتاب عليكم , فأقرأوا ما تيسر من القرآن) , ماذا تكون الحالة إذن مع القرآن فى شهر سماه الله بـ (الذى أنزل فيه القرآن) ؟. 
**** 
ما الذى حدث وجعل التناقض الذى يعاكس كل هذه المعانى يحل كل هذا الحلول المنحل من كل ضابط يضبطه أو حتى ساخط يرفضه ويبتعد عنه؟..صحيح المسألة طال عليها الوقت والسنين وأصبحت كأنها متلازمة من متلازمات الطب والمرض(سيندروم).. لكن ككل المتراكمات السقيمات المترهلات لابد من لحظة بداية ..
يقولون أن هناك شيئين لابد أن تفعلهما الأن وحالا..إذا كنت  تنوى جادا صادقا فى فعلهما وهما(الصلاة والرياضة)..أى تأجيل لهما يعنى فورا عدم حدوثهما..والتسويف لص الحياة كما يقولون..و(الشرط الإنسانى) الذى يتحدثون عنه فى علم النفس يحتاج منا فقط إلى الخطوة الأولى..ثم يأتى قبلها ومعها وبعدها (عون الله). لكن لابد من(البد)كى يحدث ما ليس منه بد.
والقرآن حدثنا عن شرط التغيير كما قال لنا العلامة وقورالعقل والأخلاق مالك بن نبى(1905 -1973م) الرجل الذى مرت من تحت قلمه كل الحكايات حول فكرة التغيير .. إنها (الإرادة العميقة) والمعنى بالغ الوضوح فى إدراكه وفهمه فى الأية الكريمة بسورة الرعد (حتى يغيروا ما بأنفسهم..). والتعثر والقيام من طبائع الأشياء وملازم للإنسان فى شرف سعيه نحو المعالى فى هذه الحياة..ويبقى الإلحاح فى الطلب (أطرقوا الأبواب تفتح لكم) . وقد كان إنسانا جميلا فعلا هذا الذى قال (من طلب شيئا ولم يدركه أوشك أن يقع إلى جواره).. ستصل..ستصل..ومن سار على الدرب وصل..بل إنهم يقولون فى جماليات هذا السلوك (درب الوصول قد يكون أغنى من الوصول)وهذا صحيح بالفعل لأن فيه مجاهدة وسعى وطلب وتلك المعاناة البهيجة فى طريق الوصول. 
**** 
لا أدرى تاريخيا من المسؤول عن عقد هذة العقدة المعقودة المنفوثة بين شهر القرآن وموضوع المسلسلات والتمثيليات والترفيه الشائه الرقيع ..لكن الملاحظ أنها فى تزايد ممستمر ومتصاعد ومستفز فى مخالفته للقيم والأخلاق العامة فضلا عن الدين وقيمه وتعاليمه ..الأمرالذى يتطلب تدخلا من الجهات المنوط بها الحفاظ على أعراف وثوابت هذا المجتمع ..خاصة الأزهرالشريف وشيخه وعلماؤه الكرام إذ يجب أن يكون لهم وقفة قوية مع ما يحدث من استخفاف واستهتار بهذا الشهر الكريم وما يحمله من رسائل عظيمة  للفرد فى تنظيمه  لحياته باحثا لنفسه عن محيط فاضل يعيش فيه ..وفى سعيه لأخرته حبا وشوقا الى ما عند الله.. وأيضا للأمة كلها التى يتحد ملايينها فى عمل عظيم من أعمال القلوب خصه الله بأنه له سبحانه وهو يجزى به كما ورد فى الحديث ..فلا أحد يعلم أنك صائم إلا الله العلى الكبير..كل العبادات تُرى وتُشاهد ويخالطها ما يخالطها إلا هذه العبادة الكريمة التى تعنى أكثر ما تعنى (لعلكم تتقون..)كما جاء فى أية الصوم بسورة البقرة..والتقوى ها هنا كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأشار إلى قلبه ثلاثا . 
ننتظر من الأزهر الشريف موقفا أقوى تجاه هؤلاء الذين يحاول قطع طريق الناس إلى ربهم فى هذا الشهر العظيم ..كما ننتظر منه بهذا الصدد أن ينشأ هو نفسه(قناة فضائية)تحمل إسمه برمزيته الكبيرة لدى المسلمين فى العالم كله ويواجه بها كل هذا الغثاء.. ولم لا ؟ إذا كان الأهلى والزمالك لهم قنوات فضائية.. والأفلام والأغانى لها قنوات  فضائية..أفلا يجدر بالأزهر الشريف أن تكون له قناة يطل بها على العالم؟يع بر من خلالها عن وسطيته وصلابته فى الدعوة لهذا الدين العظيم والدفاع عن ثوابته وتاريخه وقيمه وتراثه.. الفراغ يستدعى ما يملؤه ..وهذا صحيح ..وقد استدعى للأسف وكما يحدث دائما كل ما هو سىء وسقيم وتافه وأمتلأ به . 
إرادتنا أقوى من سفاهتهم فى هذا الشهر العظيم..وسنقاطع كل هذا العبث الموجه بدقة إلى عقول وقلوب الناس لإبعادهم عن دينهم فى أكثر وأنسب وأهم وقت يقتربون فيه من ربهم ودينهم .
ولعل أحد أبناءنا الشباب يكتب (هاشتاج)يملأ به صفحات التواصل يكون فى معناه (سنقاطع من يقطعون الطريق الى الله فى رمضان).