الأحد 24 نوفمبر 2024
توقيت مصر 19:12 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

وليال عشر

كنت وأنا طفل صغير عندما أقرأ سورة الفجر،: " والفجر وليال عشر والشفع والوتر .. كنت أشعر بنشوة كبيرة من هذا الإيقاع المتلاحق ، والمضمون المؤثر ، دون أن أفهم كل معانيها ، فأعود إلى كتب التفسير، فأجد جمهور المفسرين يتفقون على أنها هي ( الأيام) العشرة الأولى من ذي الحجة ،وفقا لأشهر التفاسير المنقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وابن عباس هو حبر هذه الأمة في علم التفسير ، وهو رائد هذا العلم بلا منازع ، وكلنا تتلمذنا في مدرسته العريقة، ولذلك لم يكن هناك بد من الاقتناع بوجاهة هذا التفسير، رغم أنه كان أحيانا يسلب شعوري بالنشوة؛ وذلك لأن المعنى الذي كنت أحسه غير المعنى الذي كنت أقرؤه في كتب التفاسير. ومع مرور الوقت كانت قناعتي تزداد بأن ثمة حلقة مفقودة أو حلقات مفقودة، و مع ذلك ، فلم أفكر في أي تفسير بديل ، وخاصة أن الأقوال المنقولة عن كبار المفسرين تدور في هذا الفلك، فسواء كانت هي العشرة أيام  الأولى من ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان ، أو العشر ليالي التي تم بها ميقات موسى أربعين ليلة في قوله تعالى : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ، وأتممناها بعشر ، فتم ميقات ربه أربعين ليلة ، فكل هذه التفاسير رغم وجاهتها ، لكنها لم تكن تشير إلى المعنى الذي كنت أتوقعه.وكانت أسباب ترددي في قبول هذه التفاسير هي : 
- أن سورة الفجر سورة مكية، ولم يكن هناك عيد أضحى ، ولم تكن الشعائر فرضت حينئذ، صحيح أن هناك بعض الآيات المكية التي كانت تحتمل تفسيرا مستقبليا ، مثل قوله تعالى : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ، فقد فسرها بعضهم على أنها زكاة الفطر ، وصلاة عيد الفطر ، لكن التفسير المباشر أيضا عن زكاة النفس وتطهيرها كان صحيحا أيضا ، وكان يتسق مع مضمون السورة. أما في سورة الفجر ، فإن  معنى الليالي العشر الذي جاء في كتب التفاسير ، لا علاقة له بضمون السورة جملا وتفصيلا ، وخاصة  الإشارة في قوله تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر؟فقد كان هذا الاستفهام يشعرني بأن الآية تشير إلى سر ما لا أعرفه ، ثم تشير الآية إلى مفاتيح هذا السر في قوله تعالي، ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد  وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
- وكنت أقول ما :علاقة ذلك بشهرذي الحجة أو شهر رمضان ؟
وبعد أن قدمت في بعض الكتب الصادرة حديثا ملامح نظرية عن  الفروق الدلالية بين جمع التكسير وجمع المذكر السالم ، وجدت أن هذه النظرية  في قوله تعالى : وليال عشر ، بصيغة جمع التكسير ، وجدتها تقودني إلى تفسير جديد لليالي العشر، وحين بحثت في كتاب الله عن قصة عاد ، وجدت هذه الإشارة العددية في قوله تعالى : سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما، ثم انتقلت إلى قصة ثمود ، فوجدت هذه الإشارة العددية : فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، أي ليليتن اثنتين ، لأن السبع ليال في قصة عاد يقابلها ثمانية أيام ، ثم تبقى ما حدث مع فرعون وبني إسرائيل ، فوجدت أنه قد غرق في ليلة واحدة بعد استقراء آيات القرآن بدءا من قوله تعالى : فأتبعوهم مشرقين ،(أي صباحا) ثم استغرق عدة ساعات ليلحق ببني إسرائيل ، ثم معجزة شق البحر ، ثم عبور بني إسرائيل خلال عدة ساعات ، ما يعني دخول الليل ، واقتراب الفجر مع غرق فرعون ، وهذا يعني أن ذلك كان في ليلة واحدة. .
- فإذا جمعنا هذه الليالي : سبع ليال + ليلتين + ليلة واحدة ، فإن الناتج يكون( ليال عشر) ، وهو يتفق مع قوله تعالى : والشفع والوتر أي الأعداد الزوجية والأعداد الفردية (7+2+1) ، أما لماذا قدم الشفع على الوتر ؟ فذلك لأنه ابتدأ بقوله (وليال عشر) وهو عدد زوجي ، وهذا (التفسير ) هو ما أرتاح إليه ، لأنه يتفق مع فكرة الترابط الموضوعي في السورة.
لكن النتائج المترتبة على صحة هذا التفسير ، نتائج لن تكون مريحة لدى الكثيرين ، لأن ذلك يعني التردد في قبول أقوال المفسرين في كثير من القضايا الأخرى ، و هذا لم قصدي من هذه الدراسة الموجزة ، فأنا تتلمذت على تلك المدرسة التقليدية في التفسير والتي لها وجاهتها واحترامها ، لكن الذي أقصده هو أن القرآن معجزة متجددة ، ولغته لغة موحية ومشعة ، وتحتمل كثيرا من المعاني ، ولذلك ينبغي على الأمة أن تسعى إلى تطوير آليات تعاملها مع كتاب الله بحيث يمكن اكتشاف الكثير من الأسرار التي لن تنتهي عبر الأجيال، وأتصور أن هذا يأتي في سياق تجديد الخطاب الديني ، ولكن بضوابط مقبولة.