الثلاثاء، 27-04-2021
09:21 م
لم أكن أتخيل أن يكون أول مقال أكتبه بعد بدء التعافي من وعكة صحية - ألمت بي وبوالدتي وبزوجتي قبيل شهر
رمضان - عن رحيل
شيخ المجاهدين و
قائد المقاومة الشعبية في
السويس الشيخ
حافظ سلامة لكن يبدو أن رائحة
الموت أضحت تفوح من حولنا من كل جانب بعد أن نال
الموت مؤخرا من الكثير من الأحباب ليس من القرابات أو الصداقات أو الجيران والمعارف فحسب بل أيضا من القمم والشوامخ والعلماء والنماذج المضيئة التي كنا ولا زلنا نستمد منها الكثير والكثير فلم تكد تمر شهور على وفاة المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة حتى رحل المفكر الكبير المستشار
طارق البشري ليلحق بهما بعد ذلك المفكر الباكستاني الكبير وحيد الدين خان وما بين هذا وذاك رحل آخرون من العلماء والدعاة والمفكرين لنودع اليوم الاثنين 26 إبريل وبالتزامن مع ليلة النصف من
رمضان الشيخ
حافظ سلامة الذي تعد سيرته وبلا مبالغة نموذجا متفردا يستحق الدرس والتعلم.
كنت وأنا لا زلت طالبا في المرحلة الثانوية ومقيما بالفيوم أتابع ومن خلال الصحف التي كنت أطالعها أخبار الشيخ
حافظ سلامة ونشاطاته إذ كان يلفت نظري بهيئته الغريبة في ملبسه إذ ورغم قيام ثورة يوليو 1952 ظل الرجل متشبثا بارتداء "الطربوش" لا يخلعه إلا لضرورة وهو أمر لم يكن يشاركه فيه حيئنذ إلا قلة قليلة من المعروفين أذكر من بينهم أحمد الصباحي رئيس ومؤسس حزب الأمة رحمه الله.
وبعد أن التحقت بجامعة القاهرة ومن ثم انخرطت في العمل السياسي قدر لي أن أشاهد الشيخ
حافظ سلامة عن قرب حيث كان يشارك في الكثير من المؤتمرات والندوات والمهرجانات السياسية في القاهرة فقد كان – رحمه الله - ضيفا شبه دائم على الفاعليات السياسية التي كانت تدعوه للمشاركة إدراكا منها لشعبيته ومصداقيته لدى الجماهير بمختلف انتماءاتها السياسية وهو ما كان ملاحظا بالفعل إذ كانت تحظى كلمات الراحل بالكثير من التقدير والانصات والتفاعل الحار.
أعترف أنني وحتى تلك المرحلة لم أكن أدرك قيمة الرجل الحقيقة فمن رأى ليس كمن سمع وأنا حتى هذه اللحظة لم أكن إلا مستمعا لكن وبعد مرور سنوات قلائل قدر لي أن انخرط في العمل الصحفي عبر العديد من الصحف والمواقع والمجلات وقد جذبني بشدة من بين أجناس العمل الصحفي إجراء الحوارات الصحفية فكان لي نصيب أن أجري مع فضيلته رحمه الله العديد من الحوارات التي من خلالها تعرفت على هذه القيمة والقامة الكبيرة.
لست بالسطور السابقة أقصد الاستطراد في سرد بعض من سيرتي الذاتية بقدر ما رغبت في تسليط الضوء على أن هناك فارق كبير بين أن تسمع بأحد وأن تراه عن قرب وهو الأمر الذي يساهم بقدر كبير في تقييم الأشخاص تقييما أقرب للموضوعية وللصواب بعيدا عن كلام الذين يعيشون في الأبراج العاجية أو الذين لم تتح لهم فرصة تفهم الملابسات والحيثيات أو الوعي بقدر ما يقوم به هؤلاء الأشخاص وفق ظروف وتقديرات لا يعيها إلا من يعايشها بالفعل.
الكثيرون يمكنهم أن يتعرفوا على بعض من أنشطة الشيخ ومجهوداته سواء تلك المتعلقة بالدور المهم والخطير الذي لعبه في ملحمة
السويس خلال حرب العاشر من
رمضان والتي كتب هو شخصيا – رحمه الله – حولها كتاب كبير حملت نفس العنوان "وذكرهم بأيام الله.. ملحمة
السويس في حرب العاشر من
رمضان حقائق ووثائق للعبرة والتاريخ" كما يمكن أن يتعرفوا على جهوده الخيرية التي أطلقها في العديد من الأماكن سواء في محافظته ومكان اقامته محافظة
السويس أو في القاهرة وغيرها فضلا عن الأدوار الاجتماعية التي قام بها وشهد بها الجميع في أوقات المحن التي تعرضت لها مصر من مثل زلزال عام 1992 لكن بالطبع ليس كل هؤلاء استطاعوا أن يقتربوا من الشيخ ويشاهدوا بأعينهم ذلك النشاط وتلك الحيوية التي كانت تتلبس جسد الشيخ - وقد كبر سنه وانحنى ظهره رغم قصره – وهو يقوم بتلك النشاطات وهو ما كان يثير غبطتي وأنا الشاب ابن العشرينيات متسائلا بيني وبين نفسي "هو الرجل ده ميبتعبش؟".
ذات مرة وفي بداية عام 2009 تقريبا تواصلت معه - رحمه الله - لإجراء حوار لإحدى المجلات العربية فأخبرني بأنه سيكون في القاهرة يوم كذا لزيارة المصابين من الفلسطينيين الذين أصيبوا في غارة جوية شنها الكيان الصهويني على قطاع غزة والذين تم احتجازهم في مستشفى السلام بمدنية السلام للعلاج فاستشعرت ضيقا وحرجا فالطريق من قلب القاهرة للسلام طويل لكن لا يمكن أن أعتذر لمثل الشيخ
حافظ سلامة لمبرر كهذا فاعتزمت الذهاب في الموعد المحدد للقائه – رحمه الله - وقد أعددت لأسئلة الحوار وقد تزامن وصولي للمستشفى مع وصول الشيخ – رحمه الله – ليقدر الله لي أن أشاهد بعيني كم الحفاوة في استقبال الشيخ من قبل إدارة المستشفى ونزلائها من الفلسطينيين والمصريين فقد بدا الأمر وكأن من يزور المستشفى أحد القيادات التنفيذية العليا.
استشعرت حالة فخر واعتزاز وأنا في صحبة الشيخ والوفد المرافق له بل ونسيت وقتها أني صحفي جاء ليجري حوارا صحفيا مع الشيخ فعشت اللحظة وتخيلت وكأني في صحبة الشيخ أشاركه في مهمته الانسانية التي يقوم بإعلان التضامن مع المصابين الفلسطينيين وتقديم يد العون لهم والحقيقة أنها كانت لحظات جميلة فما أجمل أن تشعر بأنك تساهم فعلا وواقعا في نصرة قضية بحجم وقدر القضية الفلسطينية.
ما بهرني في تلك الزيارة أن الرجل ورغم سنه الكبير لم يتوقف عن الحركة ولقاء المصابين واحدا واحدا والحديث مع كل منهم باستفاضة وببسمة تملأ وجهه وكأن له بكل منهم معرفة سابقة فيما بلغ بي الإجهاد مبلغا وكدت أصرخ في الشيخ أن كفاك يا شيخنا فقد تعبت أريد أن أجري الحوار واستكمل أنت ما تريد غير أنني تمالكت نفسي حتى انتهى الشيخ من زيارته فاستضافتنا الإدارة في أحد المكاتب لإجراء الحوار الذي تغيرت بطبيعة الحال وجهته لتتناسب مع تلك الزيارة الوطنية والإنسانية.
ما سبق ليس الواقعة الوحيدة التي شاهدت فيها عن قرب مدى ما يبذله الرجل من جهد شاق دون ملل أو كلل في خدمة القضية أو مساعدة المحتاجين من خلال جمعيته المعروفة "جمعية الهداية الإسلامية" ولكنه مجرد نموذج أردت به التأكيد على ما