الجمعة 26 أبريل 2024
توقيت مصر 10:57 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

لماذا يكرهوننا..؟ عن (كورونا والجونة وآل ساويرس)

اتصل بى الصديق العزيز د/ مايكل وهو في غاية الهلع وتكاد حنجرته تقفز إلى أذني صارخا: هل يرضيك ما يفعله أصحابك المثقفين ؟ هل يرضيك ما حدث في مهرجان الجونة؟ أليست الثقافة سلوك كما صدعتنا دائما؟ أليست الثقافة مسؤولية وواجب ؟ لماذا يعاملوننا هكذا..؟ لماذا يتجاهلوننا ويبعثون لنا برسائل الإنكار والتعالى بل ولا أبالغ إذا قلت ورسائل الكراهية أيضا ؟ ألسنا ملح هذه الأرض الطيبة وتبرها وترابها ؟ ألا يعرفون أنهم لن يكونوا أسيادا إلا فى وجودنا ..؟ فعلى الأقل يحافظوا علينا حتى يجدوا من يتسيدون عليهم ويشتهرون بينهم ؟  
 وأضاف : كل الدنيا كانت تعرف أن العالم مقبل هذه الفترة على الموجة الأشرس من كورونا..وأن كل جنيه يجب أن يوجه إلى الاستعداد لمواجهة هذا الوحش الخفى المرعب..هل تعلم كم تكلف مهرجان الجونة من إعلاناته وديكوراته لفساتينه وبابيوناته لسجاجيده الملونة بلون الدم ؟ هل تعلم عدد من خرجوا منه مصابين بالكورونا ؟ بعد تحديهم وإجترائهم على كل الضوابط والاحترازات .. وهم القدوة لنا ولملايين البسطاء من المصريين.. كيف نطلب بعد ذلك من (الناس العاديين) أن يلتزموا بما تصرخ به الدولة وأجهزتها  ليلا ونهارا من إحتياطات ضرورية .. ومن تحذيرات باللجوء إلى قرارات صعبة وإعادة غلق الاقتصاد ؟.  
****  
د/ مايكل شاب مصرى ..يعمل مندوب طبى لشركة أدوية..شاطر وناصح وجاد..وحين اكتشف من زياراته أننى مهتم بالثقافة..كان في كل زيارة يأتى ليذكرنى فيها بأدوية شركته تكون في يده رواية أو كتاب كأنه يقول ها أنا أتاثر وأستجيب ..ومن صدقه الذى يميزه قال لى :أننى كنت أفعل ذلك فى بداية زياراتى إفتعالا وتوددا إليك ثم وجدت نفسى أقرأ بالفعل فى هذه الكتب الى أن أحببت القراءه ..فضحكت معه وقلت له عندنا أية فى القرآن تقول(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..) يعنى عليك الخطوة الأولى والباقى على ربنا.. 
لكن ما كان يميزه حقيقة هو أدبه الجم ووعيه وتجاوزه تماما لكل الحساسيات ودأبه ودقة معلوماته الطبية.. وأيضا وفاؤه.. تلك الصفة التى كادت تتبخر من حياتنا.. وما أجمل الوفاء حين يكون بين إثنين مختلفين .. ولا أنسى له إصراره على حضورى إكليل زواجه الذى حضرته بالفعل.
لكنه للأسف حين حدثت جائحة كورونا في مارس الماضى ومثل آلاف المصريين جلس في البيت ليتحصل فقط على نصف راتبه.. وهو الشاب حديث التخرج والزواج وكان يعتمد على نفسه تماما وعليه أقساط والتزامات. لذلك فقد كانت معاناته من فترة الغلق والحظر مضاعفة.. وهو ما جعلنى متفهما تماما لغضبه الشديد من قصة مهرجان الجونة في محادثته التى ذكرتها أولا.. وذلك خوفا من تكرارها وإعادة غلق الإقتصاد.. وعفوا لهذا الإستطراد لكن الأحاديث والحكايات مع أصدقائنا المسيحيين أجدها بالفعل جميلة. 
****  
بعض التقاير الاعلامية ذكرت ان التكلفة الخاصة لمهرجان الجونة السينمائى الذى بدأ 23 حتى 31 اكتوبر الماضى (بالاقامة والنقل والتجهيز وفستاتين النجوم) تقترب من مليار جنيه.. يعنى ألف مليون جنيه .. يعنى (ثمن 3 ألاف جهاز تنفس صناعي تقريبا) وتقريبا تكلفة 3 مستشفيات ميدانية (سعة المستشفى الواحد 171 سريرا منها 11 سرير رعاية مركزة )..
لكن (آل ساويرس) كان لهم رأى أخر تجاه فكرة إقامة المهرجان فقالوا: أن المهرجان يوجه عدة رسائل وهي أن مصر استطاعت أن تتحدى هذا المرض.. وأن الحياة يجب أن تستمر ويجب أن تفتح مصر أبوابها مرة أخرى للسياحة.. لو كان قد تم إلغاءه لكانت ستظهر مصر أمام العالم بأنها ليست بخير.. هكذا كان رأى آل ساويرس.. وهو بالطبع كلام تعاطفى جميل لكنه ببساطة لا علاقة له بالحقيقة. 
وهو ما جعل الأستاذ (يوسف مسلم ) المخرج بمسرح الطليعة يكذب القصة كلها قائلا: منذ دورته الأولى قلت عن هذا المهرجان إنه مظهر من مظاهر ترف البرجوازية الكبيرة.. وأضاف الى ذلك أيضا أحد الفنانين ما قاله من أن مهرجان الجونة صورة منافية للواقع الفني والسينمائي في مصر فمهرجان الجونة ما هو إلا حالة من البيزنس والترويج السياحي لمدينة الجونة وملاكها القائمين على المهرجان ولا أقل من أن يوصف الجونة بأنه مهرجان للرقص والعري.. يستغل الفنانين للدعاية للمدينة ومنشآته.
****  
وزارة الصحة قالت إنه لم يتم اكتشاف أي حالة مصابة بفيروس كورونا خلال وجود الفريق التابع للوزارة في المهرجان.. وعددهم كان أكثر من 110 مشرف ومراقب على قاعات الجونة.. لكن بعد تزايد عدد الحالات المصابة بعد حضورها المهرجان.. قالت الصحة: إن معظم الفنانين لم يرتدوا الكمامات.. وأن هذا كان خطأهم.. وهو بالطبع كلام لا يتفق ومقتضيات الضرورة. 
آل ساويرس ومسؤولوا الجونة لم يتحدوا فقط ظروف المصريين الغلابة ولكن تحدوا أيضا الشعور العربى العام بإصرارهم على تكريم الممثل الفرنسي (جيرار دي بارديو) الصهيوني العنصري المعادي لقيم السلام والتسامح والداعم لاحتلال الكيان الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين وهو ما رفضه عدد كبير من المثقفين وكتاب ونشطاء مصر في بيان رسمي وكان على رأسهم الأساتذة على بدرخان ومحمد فاضل وعلي عبدالخالق وغيرهم..  
الاستاذ نجيب ساويرس نفى أن يكون تكريم الممثل الفرنسي نوعا من التطبيع وقال: (الراجل ده زار إسرائيل.. الزيارة لا تعني تطبيع وصهيونية.. وأضاف: اللي عايز يحارب ياخد بندقية وينزل على إسرائيل ويحارب).. كل كلام وله كلام يا أستاذ نجيب وبصراحة فاتت منك ! ففى النهاية أنت خالفت إجماع الفنانين وكان بإمكانك تكريم أى ممثل أجنبى أخر ليست له هذه الوصمة المعروف بها (دى بارديو).. ويا سيدى مش لازم يكون أيضا (فرنسى) فى ظل التوتر الحالى مع قصة فرنسا والرسوم المسيئة .. 
**** 
مدير منظمة الصحة العالمية د/أدهانوم قال إن عدم اتخاذ الإجراءات الصحية الأساسية قد سمح بتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على نطاق واسع.. وأن الفيروس سوف يظل جزءا من واقع جديد.. والحقيقة الصعبة هي أن هذه المسألة لم تقترب من نهايتها.. وحث دول العالم على تتبع الصلات الاجتماعية والقيام بعمليات عزل وحجر صحي وقال: الأسوأ سوف يحدث.. يؤسفني قول هذا.. ومن الممكن كبح جماح الفيروس إذا ما كانت الحكومات جادة بشأن ما تفعله وإذا ما قامت المجتمعات بدورها..  
فى مصر الحياة تمضى صفاء زلالا .. مع حالة من الغفلة الغريبة عند الناس فلا إلتزام بالمسافات ولا الكمامات.. وأصبح كل بيت ينتظر دوره فى فقد عزيز بسكون واستسلام مريب.. (عمر) رضى الله عنه قال : لو كان الحذر لغوا لما أٌمرنا به.. فى إشارة الى الأية الكريمة فى سورة النساء (يا أيها الذين أمنوا خذوا حذركم ..) والعبرة كما قال العلماء بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .. 
*** 
أثرياء مصر ومنهم آل ساويرس لم يقدموا خلال أزمة كورونا ما كان ينبغى منهم خاصة وهم يعلمون أن كورونا كلفت الاقتصاد 130 مليار جنيه كما قال وزير المالية د/محمد معيط .. وتمنينا لو كانوا قد أقاموا مستشفيات ضخمة دعما منهم لهذا القطاع الهام (الصحى) يواكب احتياجات الجائحة ويبقى بعدها .. ورغم أن الاستاذ ساويرس تبرع ب١٠٠ مليون جنية.. وهو رقم هزيل (ثروة الأستاذ نجيب حوالى 6 مليار دولار).. وتصريحه بتخفيض ٥٠% من أجور العمالة فى شركاته _ وقت الغلق_ لم يكن موفقا.. ما يعنى أن قيمة التبرع الذى قدمه كان من جيوب العمال!! 
وفى الختام أهدى قصة (الرهان) لمبدع القصة القصيرة (تشيكوف) للأستاذ نجيب وغيره من الأثرياء.. ليعتبروا بالدنيا الفانية ومعادلة النهايات المرعبة .. والتى وصفها الجامعة ابن داود الذى كان ملك على اورشليم 990 ق.م. قائلا : دور يمضي ودور يجيء .. والأرض قائمة .. الشمس تشرق والشمس تغرب.. الريح تذهب الى الجنوب وتدور الى الشمال والى مداراتها ترجع الريح .. كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن.. العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع.. منذ زمان الذى كان في الدهور التي كانت قبلنا ليس ذكر للأولين.. والآخرون أيضا الذين سيكونون .. لا يكون لهم ذكر عند الذين يكونون بعدهم.. ثم قال: كل ما عدا الله باطل.. بل باطل الاباطيل .. 
وكما قال أيضا ( إيفان) بطل قصة (الرهان) فى رسالته إلى الثرى العجوز بعد أن رفض الـ 2 مليون روبل قيمة الرهان على بقائه 15 سنة فى سجن إنفرادى وهرب قبل نهايتها بيوم واحد ليخل بشروط الرهان : أنا الأن أفضل منكم جميعا.. أنا أحتقر كل ملذاتكم .. كل ذلك هش خادع كالسراب.. مهما أصابتك الخيلاء بقوتك وهيئتك ستمحوك أيادى الموت كما الفأر تحت الأرض..كل شىء ركام سيمحوه ريح الموت .
الثرى العجوز أخذ الرسالة وقرأها وأخذ يبكى بحرقة وهو يزدرى نفسه كما لم يفعل من قبل.. وأخفى الرسالة وأثبت واقعة الهروب كى لا يدفع الرهان .. وأختفى الشاب فى نعيم المعرفة والحقيقة واليقين.