السبت، 22-05-2021
07:25 م
مما أراه من مغالطات
المؤرخين والراصدين للفكر الإسلامي ؛ أنهم كثيرا ما يربطون بين السياسي والحضاري حين يتناولون
تاريخ المسلمين ، وتلك مغالطة منهجية تقود إلى النفور في أغلب الأحوال من تتبع مسارات
الفكر وتبعد عن دقة المنهج وسلامته !
السياسة حقيقة لا تنفك عن
تاريخ المسلمين بل تكاد أداته المحركة ، ولكن الارتباط بها في التحليل يقود إلى حالة من الصد عن قيم الحضارة وألياتها، الحضارة الإسلامية إنسان تحول كلية من حالة إلى حالة، من العدوانية والفردية إلى الغيرية والعطاء المرتبط بالله دون من ولا أذى !
إنها جوهر الإسلام من عمارة وتقنية، ومن أدب وثقافة ، بسطت في عالم الإنسان الخير ورجت له السلام ، أما حين نربط
تاريخنا بالسياسة وحدها فنحن نجني على وجودنا ونكون عرضة للتشاحن ، وربما نغرس في طلابنا قيم وأساليب رفض المختلف مذهبا ناهيك عن الآخر عقيدة، الحضارة في الإسلام هي عنوانه وأداته التى ساهمت في رقي الإنسان !
ولعل سؤالا يتتبادر إلى ذهن القاريء: ما جدوى التركيز على مفهوم الحرب والتناحر بين المؤزخين في تدريس الفتنة الكبرى وحركات الهدم والدم في
تاريخنا ؟
ألا يكفي ما نستحضره من ثارات الموت كلما جاء ذكر الإسلام ؟
فبدلا من ذلك علينا أن ندرس ﻷولادنا
تاريخ العمارة والزراعة والعلوم بكافة صنوفها ومدارسها، ما تزال منجزات
المسلمين في الأندلس حبيسة أروقة الاستشراق ومكتباته، بل إن جانبا كبيرا من المخطوطات لا نعلم عنها شيئا، لقد بنى الغرب نهضته على وحدة الجغرافيا ونبذ التناحر، استغلوا العلم والمعرفة فكانت بعوثهم لجلب الكتب والمخطوطات، ومن ثم هضموا منجز العقل الإنساني، هذه واحدة أما الثانية فإن التعايش والتعاون على البر والتقوى من آكد دعوات القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.
للحضارة الإسلامية صور متعددة حسب كل بيئة دخلها الإسلام !
هي في بلاد الملايو غيرها في بلاد العرب غيرها في بلاد الفرس أو الترك، إنها صور شتى للوحة جمع الفقهاء والدعاة جزئياتها، فغدت معبرة عن دين الله الخاتم بما أكمل وأتم النعمة على الإنسان.
ومما يؤلمني التناحر المذهبي بين
المسلمين ، ألا ننحيه جانبا ونبحث عن المشترك بين
المسلمين قبل أن نصرف جهدنا لمعالجة المشترك مع الغرب أو الشرق !
الحضارة هي صورة الإسلام التى رسمها وأوجدها كل
المسلمين عبر العصور !
ترك السياسي جانبا ربما يخفف من غلواء التنافر والتشاحن !
وما أوتي المسلمون إلا من التناحر والتعارك المذهبي !
إن طبيعة الإسلام وأخلاقيته وآلياته في التعايش والبناء يكاد السياسي يقضى عليها !
ولست من دعاة الرهبنة أو علمنة مبطنة ولكن نظرة جديدة قد تغير واقعا مؤلما !
فالعالم من حولنا يبحث عن مصالحه واستغلال مكوناته الثقافية والحضارية من لغة وعمارة لجذب المصالح والمنافع، إنها القيمة المضافة والإعلان الأفضل عن الوجود والانتماء، لو أن منظمة التعاون الإسلامي أخذت ميثاقا على أعضائها بالتعريف بالإسلام الحضاري لكان ذلك أجدى وأنفع، إنها دعوة للحياة.