الخميس، 21-01-2021
05:04 م
يُحكي أن أحد
وزراء مصر الراحلين ، أصبح نائباً برلمانياً عن إحدي دوائر
المنوفية ، حيث مسقط رأسه ، بدعم من الحزب الوطني الديمقراطي البائد، وقد كان ذلك ال
وزير ذو حظ عظيم ، بتقوية وضعه السياسي ومكانته الدبلوماسية كأحد رجال الدولة البارزين وكواحد من أمهر ال
وزراء المُخضرمين في أكثر من حكومة متتابعة ، وأكثر من عصر رئاسي ، وللأمانة نذكر أن هذا ال
وزير البرلماني كان حكيماً ، خدوماً لأهل دائرته ، حلالاً لمشكلاتهم ، ولذا ظلَ متربعاً علي كرسي برلمان الشعب منذ أواخر السبعينيات وحتي عام 2000 م .
ولكن ما أصابني بالدهشة ، ما حكاه لي أحد أصدقائي، أن والده ذهب يوماً ما ، ضمن وفد من رجال قريته في زيارة لمنزل معالي ال
وزير بالقاهرة ، ليطلبوا مساعدتهم في حل مشكلة تخُص قريتهم ، وحينما وصل الوفد لمنزل ال
وزير- نائب دائرتهم - قابلهم سكرتير ال
وزير بلهجة تملئها الحذر، قائلاً: " لو سمحتم.. الباشا هينزل بعد شوية.. وسيادته مش بيسلِم بإيده .. هو هيدخل عليكم.. هتقوموا تقفوا.. بعدين هيقول سلام عليكم .. وبعد ما يقعد هتقعدوا.. وبعد ما تخلّصوا كلامكم معاه .. هيقوم سعادته .. وبعدين هتقوموا إنتوا تخرجوا .. بدون سلام بالأيدي برضو!!".
كان لهجة سكرتير ال
وزير صادمة لآمال أهالي الدائرة ، فالرسالة حملت شيئاً من التقليل من شأن ضيوف ال
وزير ، بل إنهم ليسوا ضيوفه وإنما أهله وعشيرته الذين إختاروه وعلتْ أصواتهم مُؤيدة له كنائب لهم .. أيكون جزاء الفضل هو المعاملة الجافة والإستقبال الخالي من الحفاوة والمنافي للتكريم والتقدير؟!
هل بعدما أعطي معالي ال
وزير من طرف لسانه حلاوة لأهالي دائرته ، حتي نال مُراده وصار فارساً بالبرلمان ، الآن يخلع رجل الدبلوماسية رداء التواضع ، ليُعلن أن تقاليده وأعرافه تُلزِمُه بالغطرسة والتعالي بصِفته واحد من سادات الدولة وكبرائها ؟!
هل يُعْقل أن يرسل حضرة ال
وزير برسول إلي وفده قُبيل لقاءه بهم - وهم داخل بيته وفي معيَته وضيافته - ليُنبههم بألا تأخُذهم الأماني والأسواق تجاه مُصافحة يد ال
وزير.. ولا داعي لأن يمدُوا أيديهم فتُرد إليهم دون مُصافحة ، وتكون عاقبة فِعلتهم هو الحرج الشديد !!
ولربما أن ال
وزير - الممتنع عن المصافحة - لجئ لهذا التصرُف وقتها كإجراء أمني و روتيني ؛ بحُكم منصبه السياسي الرفيع ، ضماناً لسلامته من أية مُؤامرات قد تؤذيه ، ولكن كيف له أن يتصرف مثل هذا التصرف العجيب المُحزن مع أهله وعشيرته ؟!
ومع مرور الأيام ، ترك
وزير الملامح الهادئة ، جميع مناصبه السيادية ، بعد أن تنقَل بين ثلاث وزارات مختلفة منذ عام 1978 م وحتي أواخر التسعينيات ، مُعتزلاً الحياة السياسية نهائياً ، بما فيها عضوية البرلمان ، بعدما وهَنَ العظمُ منه وأدركته أمراض الشيخوخة.
وذات مرة زار ال
وزير السابق قريته ب
المنوفية ، كي يُدلي بصوته بلجنتها الإنتخابية ، وحسبما حكي لي أحد الذين تواجدوا داخل اللجنة وقتها.. أن ال
وزير السابق بدي طاعناً في السن ، مرتعش اليدين ، من أثر الهِرمْ والوهَنْ اللذَين تملكا من جسده وصحته .. إلا أنه في تلك المرة ، قام بمُصافحة الموجودين باللجنة الإنتخابية دون إمتناع ولا تكبُر ولا تجبُر.
ويا للعجب.. فعندما كان الباشا ال
وزير مُتمتعاً بعافيته ، مُغتراً بسلطته وسلطانه ، مستأنساً بحصانته الوزارية والبرلمانية ، وقتها ترفَع جلالته عن مُصافحة أهل دائرته ، وكأن المُصافحون له كانوا سيقتطعون قطعة من يده فتُرَدْ إليه ناقصة.. أو أن يد ال
وزير كانت ملفوفة بالديباج ، وأيدي زائريه كانت مُلبدة بالأشواك !!
أما حضرة ال
وزير، فعندما بلغ من الكبر عِتياً ، وإنطفئ بريق السُلطة من بين عينيه ، وبات واقفاً علي أعتاب دُنياه ليستقبل أجل الله ، إذا به يتراجع عن أعراف الغرور المُقترنة بالسُلطة والنفوذ ، وإقتنع بأن التواضع لله ، وأصبح ال
وزير المُصافح للأمير و الأجير.
رحم الله
وزير الإنجازات الضخمة فوق الأرض وتحتها ، إبن
المنوفية - ومُحافظها الأسبق - الذي لم يدُم له متاع الدنيا ، حتي يده التي لم يُصافح بها بُسطاء دائرته يوماً ما ، هلكت وأكلها الدود ؛ وما إستثناها للخلود .. فإعتبروا يا أولي الألباب !!
[email protected]