السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 00:08 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

هل لازال هنآك أمل؟

محمود يوسف بكير
اعتمدت معظم دول العالم خلال الخمسة عقود الماضية على الأقل نموذجا تنمويا بائسا زاد من حدة المشاكل التي تعاني منها هذه الدول وذلك نتيجة تركيز هذا النموذج على الانتاج الضخم لكل المنتجات والمبالغة الشديدة في استنزاف موارد الارض وحث الناس على الاستهلاك المجنون لكم هائل من المنتجات التي تفيض بكثير عن احتياجاتهم وهو ما يؤدي بالضرورة إلى كميات ضخمة من النفايات الملوثة للبيئة والجو والبحار والأنهار والمضرة بكل أشكال الحياة على كوكبنا الصغير.
وأصبحت البشرية أمام تحديات كبيرة وصعبة الحل تواجه الانسان والمدهش أن كلها من صنع الانسان نفسه! ومن هذه التحديات ثلاث على وجه التحديد هي التغير المناخي الذي أصبح ينذر بمعاناة هائلة لأبنائنا وأجيال المستقبل، وانتشار الأسلحة النووية وسعي المتطرفين للحصول عليها لحل مشاكلهم مع الغرب ومع المستبدين والمعتدلين في الشرق بنظام علي وعلى أعدائي. والتحدي الثالث هو الطمع الإنساني اللامحدود والمتزايد والذي يساهم في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل متسارع أصبح يهدد السلام والاستقرار في كافة الدول شرقا وغربا على حد سواء. حيث يعمل النموذج التنموي السائد الآن بشكل لا لبس فيه لصالح الأغنياء والرأسماليين ومن في السلطة والمقربين منها في الوقت الذي لم يستفد فيه الفقراء من هذا النموذج إلا بالفتات، وحتى هذا الفتات لم يصل إلى أغلبهم إلا بالقروض التي تم إغراقهم بها من قبل المؤسسات المالية المحلية والأجنبية وحكومات بلادهم حتى يستهلكون أكبر كم ممكن من البضائع والخدمات حتى ولو بالاستدانة تحت شعار استمتع بالحياة الآن وسدد لاحقا.  
النموذج التنموي الذي نتحدث عنه أكثر تعقيدا مما ذكرنا لأننا لا نود ازعاج القارئ بقضايا اقتصادية فنية لا تهم القارئ كثيرا ولكن ما نود لفت الانتباه إليه هو أن ما كان يحدث من ضرر للبيئة  منذ أربعين عاما عندما كان مجموع سكان الأرض نحو أربعة بليون نسمة كان محتملا ويمكن التعايش معه، أما اليوم ومع بلوغ مجموع سكان الأرض ضعف هذا العدد أي ثمانية بليون نسمة فإن نموذج التنمية المتبع لم يعد صالحا لأنه لا يقود إلا   إلى الانهيار الشامل لكل التوازنات البيئية التي تكونت على الأرض على مدار ملايين السنين وأسست للحياة عليها وها هي تتعرض الآن للدمار على يد الانسان بسرعة مذهلة وفي زمن قصير ومن ثم فإن العالم بحاجة عاجلة إلى نموذج تنموي جديد كما سوف نوضح حالا.
يعقد في إسبانيا هذه الأيام المؤتمر الأممي للمناخ الذي ترعاه الأمم المتحدة في محاولة أخيرة لإنقاذ كوكب الأرض بعد فشل معظم الدول في تحقيق الهدف الرئيس لاتفاق باريس الذي وقع منذ أربع سنوات وهو تخفيض درجة الحرارة على الأرض بواقع 1.5 إلى 2 مئوية. 
ويتوازى مع هذا الفشل البيئي الخطير التدهور المقلق الحاصل عبر العقود الماضية بين أهم عنصرين من عناصر الإنتاج وهما العمل ورأس المال نتيجة توحش الأخير. وقد نتج عن هذا انكماش حجم الطبقة الوسطى في جميع أنحاء العالم وهي الطبقة التي يحدد من خلالها مستوى الرفاهة والمساواة التي يتمتع بها أي مجتمع. اليوم أصبح الحراك المجتمعي محدود وبطيء للغاية وهذا يعني أن من يولد فقيرا سوف يظل فقيرا حتى مماته حيث يمتلك حوالي 100 بليونير مجموع ما يمتلكه حوالي نصف سكان الأرض أي 4 بليون إنسان! وحتى التعليم الذي كنا نعول عليه لتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء أصبح سببا لاتساع هذه الفجوة بسبب الهوة الشاسعة بين مستوى التعليم في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة ليس فقط بسبب الإمكانيات المادية ولكن أيضا بسبب ترك المدرسين الأكفاء مدارس الحكومة للعمل في المدارس الخاصة. وبالنتيجة يتمكن أولاد الأغنياء من الالتحاق بأفضل الجامعات وربما الدراسة في الخارج وهو ما يمكنهم من الحصول على أفضل الوظائف عند تخرجهم بينما يعاني أولاد الفقراء وحدهم من أزمة البطالة بكافة أشكالها.
نحن كاقتصاديين نؤمن بأن الحل الوحيد لكل التحديات السابقة هو التنمية المتوازنة والمستدامة التي تهتم بالفقراء عن طريق إتاحة فرص حقيقية لهم للخروج من مصيدة الفقر ويكفي في هذا أن ننجح في تعليم فرد واحد بشكل جيد في كل أسرة وهو سيتولى الباقي في النهوض بكل أفراد أسرته! وقد وجدنا أن هذا الفرد المتعلم غالبا ما يترك أثرا إيجابيا حتى على جيرانه. وفي الغرب نستخدم أوقاف الجامعة ونتعاون مع بعض منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالتعليم لتوفير الكثير من فرص التعليم الجيد لأولاد الفقراء. 
كما إن نموذج النمو الذي ندعو إليه لابد أن يكون مستداما بمعنى السعي الجدي كي لا تترك العملية التنموية آثارا سلبية على البيئة والموارد الطبيعية بحيث تستفيد منها أجيال المستقبل كما استفدنا نحن. وعلينا أن نتذكر دائما أن العدالة الاقتصادية هي العامل الأساسي لربط الناس ببعضهم البعض وتحقيق السلام المجتمعي.  
وهذا يعني أننا بحاجة ماسة لوقف نموذج التنمية الحالي المتوحش والمستنزف للموارد الطبيعية والملوث والضار بالبيئة بنفاياته وهدره.
 وبالطبع فإن هذه المهمة ليست بالسهلة في ظل التحالف القوي القائم حاليا في كل دول العالم بين السلطة والمال والإعلام المملوك لهما. ولكن هناك تطورات هامة ومتنامية في الغرب تظهر نوعا من الصحوة والوعي المتزايد بين الجماهير والرأي العام بأهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التلوث، كما أن شعبية أحزاب الخضر في تزايد وبعضها عزز مكاسبه في البرلمانات الغربية مؤخرا.  
ومن البوادر المشجعة أيضا التطور الكبير الحاصل في تقنيات الطاقة الشمسية والرياح والبطاريات التي تستخدم لتخزين الطاقة المتولدة منها مع اتجاه أسعار هذه التقنيات للانخفاض هو ما يبشر ببدء أفول عصر الوقود الأحفوري خاصة الفحم والبترول والبدء في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
وحتى تدعم الحكومات عملية التحول هذه فإنه ينبغي عليها التوجه نحو:
- فرض ضريبة كربون تتصاعد بشكل تدريجي مع زيادة استخدام منتجات الوقود الاحفوري.
- استخدام جزء كبير من حصيلة ضريبة الكربون لدعم أبحاث تطوير مصادر الطاقة المتجددة التي تهدف إلى تقليل تكلفتها لجعلها في متناول الجميع وسوف يكون هذا أفضل رد عملي على ادعاءات لوبي شركات البترول العملاقة بأن منتجات الطاقة المتجددة مكلفة وغير اقتصادية. 
- تشجيع المستهلكين على استخدام منتجات الطاقة المتجددة وبيان التكلفة غير المباشرة وغير الظاهرة للوقود الأحفوري مثل تكلفة العلاج الضخمة من الأمراض التي تسببها للناس نتيجة التلوث البيئي.
- فرض تشريعات وسياسات تؤدي إلى رفع تكلفة منتجات الوقود الاحفوري لتقليل أرباحها حيث لاحظنا أنه كلما زاد سعر البترول الخام يعود المنتجون الحديون إلى السوق مرة أخرى ويزيد الإنتاج من جديد.
- منح حوافز وإعانات مؤقتة لمنتجي وسائل الطاقة المتجددة. لتمكينهم من التوسع والاستفادة من اقتصاديات الحجم ومن ثم دعم قدراتهم الإنتاجية والفنية بما يضمن نجاحهم وصمودهم أمام منافسة لوبي شركات البترول العملاقة.  
- السعي لتغيير عادات وسلوكيات الناس المضرة بالبيئة دون أن يقصدون في أحيان كثيرة وقد بدأت سلوكيات الناس في الغرب تتغير بالفعل بشكل يعكس احتراما أكبر للبيئة ورغبة أصيلة في حمايتها والمحافظة عليها لصالح كل الأجيال حتى لو تكلف الأمر بعض التضحيات، ومن أمثلة هذا الإقلال من أكل اللحوم والاتجاه لبدائل نباتية حيث ثبت أن تربية بلايين الحيوانات لغرض الاستمتاع بلحومها من أكبر العوامل الضارة بالبيئة حيث تستهلك هذه الحيوانات كميات هائلة من الأراضي الزراعية والمياه وهو ما يرفع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ويزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري ورفع حرارة الأرض. 
ومن الأمثلة الأخرى اتجاه الناس في الغرب إلى الإقبال على شراء وسائل إضاءة وأجهزة منزلية تعمل بالطاقة الشمسية كما بدأت معظم المكاتب في استخدام الطاقة الشمسية وطواحين الهواء لتوليد طاقة كهربائية نظيفة. كما أن هناك إقبال كبير على السيارات الكهربائية. 
أما على مستوى قطاع الأعمال فإن تحقيق تنمية مستدامة فاعلة سوف يتطلب تغيرات كبيرة في كل القطاعات الإنتاجية والخدمية لمكافحة التلوث والحفاظ على البيئة وعلى رأسها النقل والشحن الجوي والبري والبحري ومحطات الطاقة التي تعتمد على الفحم ومصانع الحديد والصلب ......الخ 
والخلاصة التي أريد أن أضعها أمام القراء الأعزاء هي أن ما يقود عملية التحول في سلوكيات القطاع العائلي  وقطاع الأعمال في الغرب نحو أنماط حياة جديدة للمحافظة على الأرض هو الوعي بخطورة المشكلة بالإضافة إلى الضمير الإنساني الذي يقودهم بشكل تلقائي ودون أي ضغوط خارجية أو مواعظ دينية الي منظومة التنمية المستدامة بكل أبعادها التي تحدثنا عنها من قبل وذكرنا أنها ليست فقط التنمية الاقتصادية التي تركز أنظمة الحكم في بلادنا عليها وإنما هي أيضا التنمية البشرية ونظم الحكم الديموقراطية الخاضعة للرقابة والمسألة  بالإضافة إلى المحافظة على البيئة.
ترى هل هناك أمل في أن يعود إلينا الوعي وأن تستيقظ ضمائرنا في عالمنا العربي وأن نفكر في مستقبل أبنائنا وأجيال المستقبل؟ لقد فشلنا في الابعاد الثلاث الأولي للتنمية المستدامة فهل سنفشل أيضا في أن نترك لهم بيئة نظيفة؟ ومتى سنكون جزأ فاعلا في حل مشاكل العالم بدلا من كوننا دائما جزأ كبيرا من مشاكله.
 
د. محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي