بدأ منذ ساعات أول أيام شهر صفر الهجري لعام 1446، فطرحت قصصه المشئومة
استفهامًا مضمونه لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟، وهل حقًا هو شهر شؤم لا يتناسب مع ميثاق
الزواج الغليظ، وبدء حياة زوجية فيه أو
تكوين أسرة، فهذا كله وأكثر يتوقف على إجابة سؤال لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟.
بالتحقق من
صحة تلك الروايات المنتشرة عن شهر صفر، والتي يأتي من بينها ما يصيب من يريد
الزواج في شهر صفر من مصائب وسوء ، وحيث إن الزواج أحد الأرزاق التي يسعى الكثيرون
لنيله، كما أنه من سُبل الاستقرار والسعادة ، من ثم ينبغي الوقوف على حقيقة لماذا
يمنع الزواج في شهر صفر ؟.
قالت دار الإفتاء المصرية ، إن الشهور والأيام كلها – في نظر الإسلام –
ترحب بالزواج لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم -صلى الله عليه
وسلم- .
وأوضحت “الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: ( لماذا يمنع الزواج في شهر صفر
الهجري؟)، أن من تزوج فقد أحرز شطر دينه
وطوبى لمن أحرز شطر الدين، فلم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا
الإحرام بالحج أو العمرة.
وأوصت من يريد الزواج في شهر صفر بألا يلتفت لروايات الجاهلية بشؤم هذا
الشهر للزواج، منوهة بأن التشاؤم من بعض الشهور؛ كأن يعتقد المرء بأن يومًا معينًا
أو شهرًا معينًا يوصف بحصول التعب والضغط والصعوبات معه، أو أَنَّ التوفيق فيه
يكون منعدمًا، ونحو ذلك من خرافات لا أساس لها من الصحة، فيُحْجَم عن قضاء حوائجه
أو أيّ مناسبة في هذا اليوم أو الشهر.
ونبهت إلى أن التشاؤم من الزواج في صفر يعد مما يدخل في التطيّر المنهي عنه
شرعًا، مع ورود النهي الشرعي عن التشاؤم والتطيُّر عمومًا، باعتباره عادة جاهلية؛
فقد ورد النّهي النبوي عن التشاؤم من بعض الأزمنة والشهور خاصة؛ وذلك كما في
الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَا
عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ». وفي رواية أخرى للبخاري: «لَا عَدْوَى وَلَا
طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَر».
واستشهدت بما يقول الإمام ابن عبد البر القرطبي في الاستذكار: [وأما قوله:
"ولا صَفَرَ" فقال ابن وهب: هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله، فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقتل الصفار أحدًا. وقال آخرون: هو شهرُ صَفَرَ
كانوا يُحلِّونه عامًا ويُحَرِّمونه عامًا، وذكر ابن القاسم عن مالك مثل ذلك].
وتابعت: وقال الإمام الطيبي في شرح المشكاة: [«ولا صفر» قال أبو داود في
سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عنه فقال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صفر". قال: وسمعت مَن يقول: هو وجعٌ
يأخذ في البطن، يزعمون أنه يُعْدِي. قال أبو داود: قال مالك: كان أهل الجاهلية
يحلون صفرًا عامًا ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا
صَفَرَ»].
وأشارت إلى أن التشاؤم من شهر صفر
-الذي هو أحد أشهر السنة الهجرية؛ لزعم أنه شهر يكثر فيه الدواهي والفتن- هو من
الأمور التي نهى عنها النص النبوي الشريف.
وقد ورد أنه عرف شهر صفر عند العرب فى الجاهلية أنه شهر
"التشاؤم"، فيما أن الأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز
وجل ، فهو كغيره من الأزمنة يُقدَّر فيه الخير والشر ، كما أنه ليس صحيحا أن للموت
أيام أو شهور معينة فالأقدار توفى على مدار العام وفي أي ثانية من الثواني قد
يفارق كل منا الحياة فرادا أو جماعات فكم من قرية أتتها صاعقة أو عذاب أو ريح
وغيرها من الأمور التي جعلت عاليها سافلها، وكم من قرية بدلت من بعد عذابها أمنا.
وبناء عليه فإنه لا صحة لمن يحرِّم الزواج أو يكرهه في صفر، ولا دليل أيضاً
يبنى عليه هذا الزعم الباطل الذي لا يستند إلى دليل شرعي، فهذا رسول الله – صلى
الله عليه وآله وسلم – تزوج، وزوج ابنته؛ في شهر صفر، وينبغي أن نعلم أن هذه عادة
باطلة جاهلية ينبغي أن تزال من المجتمع المسلم، ولا ينبغي للمسلم المؤمن بالله حق
الإيمان التشاؤم بأي يوم.
الزواج في صفر
وقد كان
المشركون يتشاءمون من شهر صفر لأنهم يعودون فيه إلى السلب والنهب والغزو والقتل
بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، وكانوا يعتقدون أن شهر صفر شهر حلول المكاره ونزول
المصائب، حتى إنه لا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أنه لا يوفق، ومن
أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح.
وفي الإسلام ما يرد مزاعمهم بأن شهر صفر شهر شؤم، حيث فيه تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسيدة خديجة وهو نفى لتشاؤم العرب من الزواج
فى ذلك الشهر، كما حدثت به العديد من الأحداث الهامة فى التاريخ الإسلامى منها
غزوة الأبواء وهى أول غزوة غزاها النبى صلى الله عليه وسلم، كذلك كان به فتح خيبر،
وفيه أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
لقد حرَص كثير من الناس على تحرِّي عقد الزواج في يوم معين من الأسبوع، أو
شهر معين من السنة، تحرِّيًا يترتب عليه أحيانًا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغَيب عن
فشل الزواج إن خولِف فيه المعتاد من هذه الأوقات، ومهما يكن من شيء فلا ينبغي
التشاؤم بالعقد في أي يوم ولا في أي شهر، لا في شوال ولا في المحرّم ولا في صفر
ولا في غير ذلك، حيث لم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام
بالحج أو العمرة.
وينبغي العلم أن الأصل في المسلم أنه لا يتطير ولا يتشاءم لأن الطيرة
والتشاؤم من الشرك والعياذ بالله فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطيرة شرك الطيرة شرك ) رواه أحمد وأبو داود
وابن ماجه والترمذي وقال : حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه
الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ردتـه الطيرة عن حاجته فقد أشرك . قالوا
: فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا
إله غيرك ) رواه أحمد وابن السني وإسناد ابن السني صحيح . وجاء في حديث أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (
لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ) رواه البخاري، والتطيّر هو
التشاؤم . واعتبر التطير شركاً لأن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره،
ولأنه تعلّق بأمر لا حقيقة له.
وجاء أن التشاؤم من الاعتقادات الجاهلية وما زال كثير منها منتشراً بين
الناس في وقتنا الحاضر، والتشاؤم من الزواج في صفر من الأمور التي كانت معروفة عند
العرب في الجاهلية ولا يجوز ذلك، بل هو كسائر الشهور ليس عنده خير ولا شر، وإنما
الخير من الله سبحانه، والشر بتقديره، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه
أبطل ذلك فقال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر متفق على صحته، وهكذا
التشاؤم بتشبيك الأصابع أو كسر العود أو نحو ذلك عند عقد الزواج أمر لا أصل له،
ولا يجوز اعتقاده، بل هو باطل.
يعد شهر صفر هو أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية وهو الشهر الذي بعد المحرم ،
قال بعضهم : سمِّي بذلك لإصفار مكَّة من أهلها ( أي خلّوها من أهلها ) إذا سافروا
فيه ، وقيل : سَمَّوا الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا
صِفْراً من المتاع ( أي يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له ) .