الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 09:43 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

اللهم "اهدنا الصراط المستقيم"

أسامة شحادة
في رمضان خاصة نكثر من قراءة سورة الفاتحة، سواء في صلاة النوافل والتراويح أو بسبب تكرار تلاوة القرآن الكريم طمعا في الأجر العظيم والثواب الجزيل، وبسبب ذلك يتكرر من المسلم والمسلمة طلب الهداية من الله عز وجل "اهدنا الصراط المستقيم"، ولعل البعض يتساءل: ما هدف تكرار طلب الهداية وسؤالها من الله عز وجل إذا كنا مهتدين؟
ولنسمع الجواب عن ذلك من الإمام ابن قيم الجوزية، حيث يقول في كتابه الفريد (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) بتصرف واختصار يسير:
الهداية للصراط المستقيم نوعان مستقلان: هداية البيان والدلالة، ثم هداية التوفيق والإلهام، وهداية البيان والدلالة لا تحصل إلا من جهة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإذا رُزق المسلم والمسلم هداية البيان والدلالة والتعريف، فإنه يحتاج أيضا أن يرزق هداية التوفيق لقبول الإيمان، وتحبيبه إليه وتزيينه في قلبه، وجعله مؤثرًا له، راضيًا به، راغبًا فيه.
... ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة، وبطلان قول من يقول: إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية؟
 فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاونًا وكسلًا مثل ما نريده أو أكثر منه، أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي إلى تفاصيله فأمر يفوت الحصر.
وهناك مرتبة أخرى للهداية بعد هداية البيان والدلالة وهداية التوفيق وهي سؤال الله عز وجل التثبيت والدوام على الهداية. 
وللهداية مرتبة أخرى، وهي آخر مراتبها، وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة، وهو الصراط الموصل إليها، فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه؛ هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار الدنيا؛ يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذه الصراط؛ يكون سيره على ذاك الصراط: فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلم، ومنهم المكردس في النار، فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على صراط الله في الدنيا، حذو القذة بالقذة، جزاءً وفاقًا، (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل: 90)، ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم هنا، فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط في الأخرة تخطفه وتعوقه عن المرور عليه، فإن كثرت هنا وقويت، فكذلك هي هناك، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت: 46)، فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير والسلامة من كل شر. إ.ه‍
وهذا التقسيم للهداية هداية الدلالة والبيان وهداية التوفيق لا يقتصر على شؤون الدين والآخرة ، بل يشمل أيضا شؤون الدنيا، فمثلا كم يحتاج الناس عموما، والمسلمون خصوصا، لهداية بيان خطر التدخين والأرجيلة والمخدرات والخمر والزنا والشذوذ والربا، وفعلا هناك ألوف الملايين تحصلت لهم هذه الهداية والمعرفة والبيان بضرر هذه الأشياء، لكن تنقصهم هداية التوفيق للعمل وفق هداية البيان والمعرفة!
ولو أخذنا مثالا آخر من نازلة فايروس كورونا كوفيد 19 الذي شل العالم في سنة 2020 فإن من تهاون من الدول والحكومات والقادة في الاستجابة لهداية البيان والدلالة بخطر انتشار الفايروس والوباء وتأخر أو تقاعس عن الاحتراز منه واتخاذ الاحتياطات اللازمة فإنه قد قصر بحق شعبه ومجتمعه، وترتب على ذلك إصابة مئات الآلاف من الناس في بعض الدول ووفاة عشرات الألوف فيها، كحال أوروبا وأمريكا، طبعا الدول الشمولية كالصين وإيران وروسيا التوقعات تشير لكوارث ضخمة فيها لكنها دول مصابة بفايروس كوفيد 19 وفايروس التعتيم والسرية وعدم الاكتراث بأرواح البشر ولو بلغ الموتى ملايين الناس!! 
بينما الدول التي استجابت وهديت هداية التوفيق للقيام باللازم فقد عبَرت الأزمة بأقل عدد من الإصابات والوفيات كالأردن التي أصبحت نموذجا فريدا، وكالسعودية، والتي كان للقرار المبكر بتعليق رحلات العمرة الخارجية ثم الداخلية دور مركزي في حماية العالم من تفشي الوباء فيه، بخلاف ما نتج عن إهمال الصين بغلق مدينة أوهان فصدرت المرض للعالم أو تقصير إيران بعزل مدينتي قم ومشهد فنشرت الوباء بين زوارها الشيعة من كل أنحاء العالم!
وأيضا بعد هداية البيان والدلالة وهداية التوفيق، يحتاج الأفراد والحكومات إلى الثبات على طريق الهداية الصحيح، وخاصة أن مرحلة ما بعد كورونا يتوقع أنها أصعب مما كانت قبله، فهل تثبت حكوماتنا على هداية التوفيق بالاستجابة لنصائح المختصين الصادقين في الشأن الاقتصادي كما نزلت على رأي المختصين بالصحة والأوبئة؟ 
وكذلك هو حال الأفراد، هل يلتزمون طوعا بالإجراءات الاحترازية من الوباء لتستقيم لهم حالة الصحة والسلامة منه في مرحلة تخفيف الحظر وبداية الانفتاح، وهل يثبتون على طريق الهداية الشرعية التي فرضت على بعضهم قسرا بالحظر الإجباري في مرحلة ما بعد كورونا؟
"اللهم اهدنا الصراط المستقيم" افرادا وحكومات.