يخطىء من يظن أن فضيلة الإمام (
الطيب) بموقفه الأخيرمن رفض
مشروع قانون (تنظيم
دار الافتاء) وإصراره على الحضور بنفسه الى
البرلمان لمناقشته .. يكون قد حقق نصرا أوكسب جولة وما الى ذلك مما يشعله الإعلام اللعوب لإشعال المخاوف وتأجيج الذعر ..فلم تكن هناك حروبا ولا جولات ..كان هناك
الوطن ودستوره ومؤسساته ورجاله الكبار .. كلنا نحب هذا الرجل(
الطيب)..نختلف معه أحيانا ..نتفق معه أحيانا ..لكننا نحبه
المصريون البسطاء يقولون عن مثل هذا الرجل
الطيب :(فيه شىء لله) .. يقصدون ذلك الشىء الذى بينه وبين ربه ..وقد أخبرنا
الرسول الكريم عن درجة إيمان سيدنا أبى بكر رضى الله عنه الذى لو وضع فى كفه ووضع إيمان الأمة فى كفه لرجحت كفة أبى بكر ..لا بصلاة ولا بصيام ولكن بـ(شىء)وقر فى صدره.. ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته خير قدوة نقتدى بها ..
أمير الشعراء أحمد شوقى يحدثنا عن هؤلاء الناس
الطيبين ويقول(فهموا السر حين ذاقوا وسهل **أن ينال الحقائق الفهماء)..وكلمات الفهم والسر والذوق والحقائق تعبيرات صوفية بامتياز .. بل هى مفاتيح كل الكلمات وهى كلها موجودة فى أعماق (الإخلاص).. طريق الوصول والباب الكبير الذى يصل اليه الواصلون والأيات القرآنية بالغة الوضوح فى ذلك :فى سورة البينة (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وفى سورة الزمر(فاعبد الله مخلصا له الدين, ألا لله الدين الخالص).
شيخنا الجليل يبدو عليه وفيه ومنه الكثير من هذا (الشىء)..وأنا أحد أشد الناس بعدا عن التدخل فيما بين العبد وربه .. فالطريق الى الله بعدد خلقه كما يقولون.. لكننا نرى ونتعلم ونقتدى ونحسن الظنون.
****
(يشيد
الأزهر الشريف بالخطوة التي اتخذت اليوم بسحب قانون تنظيم دار الإفتاء من التصويت في مجلس النواب المصري بعد ثبوت مخالفته للدستور وتعارضه مع اختصاصات
الأزهر الدستورية والقانونية كما يؤكد
الأزهر أن الدولة المصرية حريصة دائما على الحفاظ على مؤسسة
الأزهر الشريف...ويوضح
الأزهر أن المناقشات التي تمت حول مشروع القانون هي مظهر صحي من مظاهر الحياة النيابية المصرية التي عرفت بها مصر من قبل بمناقشة كل الآراء وتفتح الباب أمام النقاش المجتمعي في مختلف القضايا.. وهي ممارسات تثري الحياة السياسية)..
هذه أجزاء من بيان
الأزهر الذى صدر يوم 25/8 الثلاثاء ..وهو يظهر كم هو حريص على وحدة الكلمة ووحدة
الوطن وقوة مؤسساته.. بيان سياسى من الطراز العتيق ..السياسة التى كدنا ننساها من طول التصادمات والتصارعات ..
****
كلنا نعرف حكاية القانون الذى تقدم به أحد النواب الى
البرلمان ويتعلق بتبعية دار الإفتاء والمفتى والمساحات بين الأوقاف والإفتاء و
الأزهر ..الأوقاف والافتاء هيئات دينية جديدة على التاريخ الاجتماعى والدينى للمصريين وانشاؤهم لم يكن بحسن نية وبراءة.. بل كان مقصود به مواجهة
الأزهر والحد من قوته وتأثيره ..فلأسباب وعوامل كثيرة أتسع دور
الأزهر فى مصر والعالم الإسلامى بدرجة كبيرة ..ومن اليوم الأول لتأسيس محمد على باشا الدولة المصرية الحديثة حدث شىء ما فى العلاقة بين الحاكم والازهر.. ليس فقط لن الازهر هو من أجلس محمد على وأبنائه على عرش مصر .. ولكن _وهو الأهم _لهذا الارتباط الوجدانى العميق بين المصريين و
الأزهر وهو ما يكاد يكون سراً نشأ وتكون وتحول الى ما يمكن أن يكون(دى إن إيه) تاريخى يتوارثه
المصريون فى الجينات..تخيل كل(خليه) من خلايا المصريين(40 تريليون خلية فى الفرد)فيها 46 كروموسوم وكل كروموسوم فيه مئات الألاف من الجينات ..الموضوع عمييييييق ومركب ومتداخل ومتصل بألف حكاية وحكاية..هذه أشياء محملة بالحقائق والتاريخ.
هيئة الأوقاف عرفها
المصريون حين أصدر محمد على باشا قرار انشائها عام 1835م وفي عام 1913م تم تحويلها الى وزارة .. وفي عام 1953م نقل اليها الاشراف على المساجد الموقوف عليها وعام 1960م اصبحت تشرف على كل مساجد مصر .
أما وظيفة الإفتاء فهى وظيفة رسمية من وقت المماليك وارتبطت أساسا بالنظام القضائي وهى تتبع وزارة العدل ولكنهت استقلت عنها ماليا واداريا عام 2007م
****
كانت هيئة كبار العلماء ب
الأزهر قد اعترضت على
مشروع قانون تنظيم دارالإفتاء بخطاب أرسله
الأزهر لرئيس مجلس النواب.. أكدت فيه أن مواد هذا المشروع تخالف الدستور المصري، وتمس باستقلالية
الأزهر والهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة
الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية. ومن أجمل وأروع فقرات الخطاب فقرة (
الأزهر ليس أشخاصًا وإنما رسالة عامة وشاملة حددها الدستور في باب مقومات الدولة بصورة واضحة لا لبس فيها) .. واستكملت الهيئة فى ردها قائلة : أية هيئة دينية إسلامية يتم إنشاؤها وتعمل على تحقيق رسالته تُعَدُّ بالضرورة جزء لا يتجزأ من رسالة
الأزهر ويراجع
الأزهر الشريف أعمالها ويشرف عليها والقول بغير ذلك يُشكل مخالفة صريحة لنص الدستور.. إنه خطاب به ما به من شحنة قلق وحراك اجتماعى ورصيد فكرى عظيم.
أحد النواب من شلة (السارح بن البارح) التنويرية أعداء الدولة والمؤسسات قال :إن هناك اتجاها لتمرير قانون تنظيم دار الإفتاء خلال دور الانعقاد الحالي وذلك تحقيقا للمصلحة العامة ولتكريس نوع من الاستقلالية لدار الإفتاء المصرية للقيام بدورها الديني والتنويري بعيدا عن هيمنة أي مؤسسة أخرى بالدولة.. لكن هذا لم يحدث ولن يحدث ولا يحدث حدوثا حداثيا حدوثا..انت فى غيهب الغسق.
فمجلس الدولة تحفظ علي مشروع القانون مؤكداً أنه بعد عرض المشروع على قسم التشريع بجلساته المتعاقبة حتى 15 / 8 / 2020 تبين له مخالفة مشروع القانون للدستور وأنه يصطدم صراحة بنص المادة (7) منه .. وقال أن
الأزهر هو (المرجع الأساسي)..الأمر الذي يجعله المنتهي الذي يجب أن تُرد إليه كل فتاوى دار الإفتاء بحسبانها مظهرا تطبيقيا للعلوم الدينية والشئون الإسلامية كما أنها أداة من أدوات نشر علوم الدين في مصر والعالم وهذا هو شأن
الأزهر الشريف .. وإلا فإنها ستقوم على غير أساس مفتقدة مرجعها الأساسي وهو
الأزهر الشريف.
****
سيخسأ الأشرار وينتصر
الطيبون وينكشف المنافقون .. ذلك أن الرجل(
الطيب ) المدافع الصلب عن مصر وشخصيتها وتراثها كان قد إتخذ قرارا من إشراقات الناس
الطيبين.. فقد قررأن يذهب بنفسه الى
البرلمان ليواجه المواجهة نفسها فى سويداء قلبها .. وأرسل إلى المجلس يطلب الحضور قائلا :حال الإصرار على إقرار هذا المشروع _رغم ما به من عوار دستوري _ أطلب حضور الجلسة العامة المنعقدة لمناقشتة وذلك وفاءً بالأمانة التي أولاها الله تعالى للأزهر ولعرض رؤية
الأزهر في ذلك المشروع الذي من شأن إقراره أن يخلق كيانا موازيًا لهيئات
الأزهر ويجتزئ رسالته ويُقوض من اختصاصات هيئاته.
وهنا اضطرب الاضطراب.. وارتبك الارتباك .. واختل الاختلال.. وأرجأ
البرلمان الموافقة على مشروع القانون خلال الجلسة العامة .. وقال النائب الذى قدم المشروع : لم يٌسحب
مشروع قانون دار الإفتاء ولكن رئيس المجلس أعاده للجنة للنظر في ملاحظات مجلس الدولة ولن ينظر المشروع في الجلسة العامة للمجلس..
لكن أحد النواب قال: تم سحب
مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء الذي قدمته اللجنة الدينية ب
البرلمان قبل التصويت النهائي عليه الاثنين24/8 .
شكرا فضيلة الإمام
الطيب وشكرا للبرلمان وشكرا لمجلس الدولة ..وشكرا للدولة..
نحن أمام مشهد عامر بالدلالات والمعانى..