الدرس الأساسي من
الموجة الأولى من هذا
الفيروس هو أنه إذا لم نتصرف مبكرا وبشكل حاسم.. فستكون التكلفة أسوأ بكثير وسيفقد المزيد من الناس وظائفهم وستضطر المزيد من الشركات إلى الإغلاق وبشكل مأساوي..الأمر سيكون أصعب وأطول وأضر مما يجب..هذا ما يقوله المسؤولون فى بريطانيا هذه الأيام السوداء..الانجليز معروف عنهم الالتزام والدقة والنظام ..ومع ذلك فهذا ما يقوله المسؤولون عن
الوباء الأسوأ الذى يهاجم
العالم فى موجته الثانيه والتى توصف بان سرعة العدوى به أسرع 10 مرات من
الموجة الأولى .. يعنى الكارثة مضروبة فى عشرة .. بالحد الأدنى للتوقعات قياسا الى أن كل الاحتياطات التى اتخذت من قبل لم تكن كافية.
وزارة
الصحة المصرية أعلنت الأيام الماضية أن الأعداد التي يتم الإعلان عنها من إصابات كورونا اليومية لا تمثل سوى 25% من إجمالي الإصابات الفعلية ..وأن ما يُعلن عنه هو فقط أن الحالات التي يتم تسجيلها بالمستشفيات والمعامل المركزية التابعة لوزارة
الصحة ..
من اليوم الأحد 3 يناير سيتم تفعيل القرارات الجديدة المتعلقة ب
الوباء من تطبيق غرامات فورية على مخالفي الإجراءات الاحترازية(50 جنيهًا على الأفراد الذين لا يرتدون
الكمامة )وغرامة فورية على المطاعم والمقاهى حال عدم الالتزام بنسبة الـ50% .. الحديث الأن عن مطاعم ومقاهى حديث غير مقبول بالمرة .. قد يكون مفهوما الحديث عن وسائل المواصلات أو غيرها من أماكن التجمع الضرورى أما الحديث عن مقهى ومطعم فهو ما يجعلنا نشك بأن الشعور بالخطر لم يصل الى الدرجة التى تناسب شدة الخطر .
****
كورونا الأن تجاوز مفهوم (
الوباء) الذي يحصد الأرواح ويدمر الاقتصادات والمعايش .. ويكاد يكون التعامل الصينى مع الكارثة من بدايتها أواخر عام 2019م كان مثاليا فى جميع جوانبه.. أدركوا أولا طبيعة التحدي وقرروا ثانيا وبسرعة محسوبة مواجهةهذا التحدى بقوة وبحزم وبلا شفقة ..لقد تم تقدير الخطورة أولا كما يقولون فى علم إدارة الأزمات.. الخطورة لم تكن على
الصحة والاقتصاد ومستقبل المشروعات الكبرى (طريق الحريرالجديد) فحسب بل على مستقبل الدولة الصينية ذاتها ..الدولة ذات السبعة ألاف عام .. فوضعت سياسة العزل التام والوقاية وتسريع البحث العلمي لإكتشاف كل أسرار الفيوس وشيدت مستشفيات خاصة وجهزتها فى وقت قياسى (2600 مستشفى كل عشرة أيام) .
كانت فرصة كاملة لإظهارقوة الدولة وقوة الأمة فى التعامل مع المستقبل الذى دائما ما يضعون له توقعات أسوأ فإن جاء سيئ ليكن..أقل سوءً..جيد ..غير سيئ لم يدخل الشرالدار كما يقول أبناء البلد(يا دار ما دخلك شر) ..رأينا من الصين مفهوم أكثر شرفا حول فكرة(
حقوق الإنسان)واحترام الانسان وصون الإنسان ..وبدا أن هناك أوقاتا حقيقية يتم فيها اختبار المفاهيم ووضعها على المحك الحقيقى . لم تنظر الدولة الصينية للخسائرالإقتصادية كأولوية بل وقامت بضخ المليارات من أجل إنقاذ (الإنسان) ونجحت الخطة في تجاوز حالة المرض كـ (وباء) يحصد الأرواح ويدمر الاقتصادات والمعايش .
***
وفوق كل ذلك لم يغب عن القادة الصينيين أن هناك صراع مكتوم مع أمريكا (أمريكا والصين ينتجان أكثر من نصف الانتاج
العالمى) الصراع كان متوقعا أصلا بحلول نهاية العام الماضى 2020م .. لذلك سيكون هاما هنا نعلم أن الصين لم تتوقف عن تنفيذ طريق الحريرالجديد( طرق وممرات تجارية تربط أكثر من 68 دولة وتشكل 65 % من سكان
العالم وتنتج نحو 40 % من الإنتاج
العالمي ) والسيطرة على الانترنيت
العالمى .. و أمريكا تريد إجبارها على التفاوض والجلوس أمامها لترتيب الدنيا قبل إتمام ذلك المشروع لأنه ببساطه سيضعف قوة أمريكا وهيبتها في قيادة
العالم وهى في الأصل بتضعف.. فالدولار سيفقد قوته الضاربة التى تتحكم بها أمريكا في
العالم .. لكن ترمب فرض على أمريكا أكثر سوءاته الأخلاقية ووضع (ذاته) في مقابل(ذات) أمته..ولو كان ما يدعيه عن الانتخابات الرئاسية صحيحا ويجوز فعله في الأوقات العادية لكان لومه على تشويه صورة بلاده عالميا أقل..أما ووطنه يمر بكارثة لم يشهدها من قبل ..فأنت أمام شخص يجب منعه بالقوة من التسبب في الإضرار بالأمن القومى لأمته ..كل شىء يمكن التضحية به على مذبح الخيبة..حتى وطنه.!
***
هناك كتاب مهم لأستاذة بجامعة ميريلاند (د/ميشيل جلفاند) بعنوان (صانعو القواعد ومخالفو النظم: كيف تربط الثقافات الضيقة والواسعة
العالم) أشار إليه توماس فريدمان الصحفى الأمريكى المعروف فى مقال نشرته النيويورك تايمز فى 20 مارس الماضى وقال أن د/جلفاند نشرت هي وزملاؤها في مجلة(ساينس)قبل عدة سنوات تصنيفا للدول من حيث إعطاء الأولوية للقواعد على الحرية الى دول ذات قواعد : (ضيقة) أو (فضفاضة).. وقالت إن المجتمعات الضيقة مثل الصين وسنغافورة والنمسا لديها العديد من القواعد والعقوبات التي تحكم السلوك الاجتماعي.. إذ اعتاد المواطنون في تلك الأماكن على درجة عالية من الرقابة التي تهدف إلى تعزيز السلوك الجيد.. أما الثقافات الفضفاضة في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل فلديها قواعد أضعف وأكثر تساهلا .. الدول التي لديها أقوى القوانين وأشد العقوبات هي تلك التي لها تاريخ من المجاعات والحرب والكوارث الطبيعية وتفشي الأمراض.. لقد تعلمت هذه الدول المعرضة للكوارث
الدرس الصعب على مر القرون وهو أن القواعد الصارمة والنظام ينقذان الأرواح .. في حين إن الثقافات التي واجهت القليل من التهديدات مثل أمريكا فإنها تتمتع بترف القوانين الفضفاضة ..طبعا هذا الكلام سيرحب به البعض ..رغم أن له ضوابط تحكمه بما لا يؤذى (حرية) الإنسان.
****
سيكون هاما هنا أن نتذكر ونذكر أنفسنا أننا أبناء حضارة تعتبر(الرقابة الذاتية) و(النظافة الشخصية)عبادة
دينية وعمل صالح.. ليس هذا فقط بل ونردد دائما بمناسبة وبدون حديث الرسول الأكرم(لا ضرر ولا ضرار)..بمعنى أن الإنسان لا يجوز له أن يضر نفسه ولا يضر غيره .. نحن فى الأصل أمة تقوم سلوكيات أبناؤها على مفهوم (الإحسان) كخلق
دينى: أن تعبد الله وتخافه كأنك تراه ..فإن لم تكن تراه فهو سبحانه يراك .. هذا المفهوم مستقر فى أعمق أعماق وعى المؤمن قبل أن يكون قرارحكومى يهدد بقانون ويتوعد بعقاب..وهذا بطبيعة الحال لا يقلل من أهمية التهديد بالعقوبة على سبيل الردع ..فالإنسان هو الإنسان بما يحمله من قابلية للخير وقابلية للشر وعلى عنقه (أمانة)الاختيارالحرالذى سيحاسب عليه.. وواقعية
الاسلام بل وعظمته فى التعامل مع طبيعة الإنسان كما هى فهو ليس (ملاكا ولا شيطانا)استنادا الى ما قاله (الوحى) الذى أرسله الخالق العظيم .. فى الإسلام يبلغ الإنسان أفضل كمالاته.
****
دعونا نذكر هنا ما قاله د/كريج كونسي
دين أستاذ علم الاجتماع في جامعة( رايس)الأمريكية فى تقريره المنشور فى مارس الماضى بالنيوزويك_ مع بدايات الكارثة _عن
الاسلام والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم بشأن التعامل مع كارثة(
الوباء)..فقال: أن خبراء المناعة يقولون إن نظافة شخصية جيدة وحجر صحي هي أفضل الوسائل لتطويق كوفيد-19..ثم يسأل :هل تعلمون من الذى اقترح النظافة الشخصية والحجر الصحي خلال انتشار وباء؟ إنه النبى محمد(صلي الله عليه وسلم) نبي الإسلام قبل 1400 عام.. ففي الوقت الذي لم يكن فيه بأي شكل من الأشكال خبيرا تقليديا بشؤون الأوبئة المميتة قدم (الرسول) نصائح لمنع ومواجهة تطورات مثل كوفيد-19 ونوه د/ كونسي
دين إلى الحديث الشريف للرسول الذى قال فيه (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها.. وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) ..ويستطرد قائلا أن الرسول أمر بإبقاء المصابين بأمراض معدية بعيدا عن الأصحاء وأن نبى
الاسلام أيضا شجع البشربقوة على الالتزام بالنظافة الشخصية التي تبقي الناس في مأمن من العدوى قائلا أن(النظافة من الإيمان).. نعم ..ف
الاسلام دين يسير على إيقاع الزمن كله.
هل مازالوا يعيبون علينا أن
الاسلام دين و
حياة ..؟