السبت 27 أبريل 2024
توقيت مصر 02:01 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة

وأنا أعود إلى الحوار الذي أجريته مع الدكتورة عزيزة إسماعيل زوجة السياسي الماليزي البارز الدكتور أنور إبراهيم في فيلا الزوج، تذكرت سجادة الصلاة في ركن منها، وعلقت أنها سجادته التي اعتاد الصلاة عليها، والمصحف التي قالت إنه يقرأ فيه في لحظات مكوثه في البيت بعد يوم عمل شاق في منصبه كنائب لرئيس الوزراء ووزير للمالية. وقلت في نفسي حينها: هل يعقل أن تكون تهم اللواط والعلاقات الآثمة التي صدق عليها أستاذه مهاتير محمد صادقة.
 لا أنكر أنني لم أجد سببا وجيها أكذب به صاحب نهضة ماليزيا الأول، ولا سببا مقابلا أكذب به شريكه في هذه النهضة أنور إبراهيم ولا زوجته. لقد أصبت بدوار شديد حينها، ثم حسمت أمري إلى ما أحسم به دائما عندما أفشل في الاستنتاج.. دع الملك للمالك!
كانت الدكتورة عزيزة  تظهر رباطة جأش غير عادية رغم أن الاتهامات الموجهة لزوجها تتعلق في جزء منها بصديقتها المقربة "شمس دار" التي تزورها باستمرار، زوجة السكرتير الخاص لزوجها.
بدأتها بسؤال شعرت بأنه أزعج ابنتها نور العزة ذات الثمانية عشر ربيعا في ذلك الزمن، قلت لها إنني  رأيت صورة صديقتك، فهي ليست أجمل منك. كانت الدكتورة عزيزة – طبيبة العيون - لا تزال في الأربعينات، وفي ملامحها بقية من الجمال الماليزي الهادئ.
تركت نور العزة التي أصبحت حاليا سياسية بارزة المكان، ربما لأنها لم ترتح لصياغة السؤال الموجه لأمها. أما عزيزة فقد اختنق صوتها قليلا بعبرات عجزت عن وقفها، وقالت إنها أم لستة أبناء، وتعيش مع أنور حياة زوجية طبيعية، رجلا وزوجا وأبا رائعا. كررت كلمتي الرجل والزوج عدة مرات كأنها وهي التي عملت أيضا بعد تخرجها طبيبة نساء وولادة تقصد توجيه رسالة معينة.
في المرأة قرون استشعار تهديها إلى الصواب بشأن الزوج الذي تشاركه البيت والحياة والأبناء. لا يمكن أن تكون قرون استشعاري ضللتني وأنا الطبيبة علاوة على أنني زوجة سعيدة في حياتي الزوجية.
الاتهامات اغتيال سياسي محض وتشويه له، ففي العالم الإسلامي رفض كامل لشخصية الشاذ جنسيا ولا يقبل من مسلم أن يرتكب هذا السلوك.
تواصل وقد ذهب كل أثر لاختناق صوتها بالدموع كأنها تذكرت واجب التمسك بقوتها ورباطة جأشها إلى نهاية المعركة "أنا مقتنعة أنها اتهامات كاذبة لا أساس لها.
سألتها عن علاقتها الحالية بـ "شمس دار"  فردت بقوة: رغم الاتهام لا زالت تربطني بشمس دار وزوجها علاقة أسرية جيدة، تزورني في بيتي وأزورها في بيتها وأبناؤنا أصدقاء.
لم أفوت السؤال عن الأساس الذي بنوا عليه أن طفلة شمس دار الأخيرة، ثمرة علاقة آثمة مع أنور، وكان يمكنه بسهولة إسكات هذه التهمة؟!.. أجابت وهي تدرك ما أفكر فيه: يقولون إنه يوجد بعض الشبه بين الطفلة وزوجي. صحيح أنور رفض أخذ عينه منه لتحليلها (تحليل DNA).  لكن المحاميين الذين يتولون الدفاع عن زوجي هم الذين اقترحوا عليه ألا يوافق لأن من سيأخذ العينة يمكنه تزويرها!
ثم استطردت أن والدي الطفلة أجريا هذا التحليل مرتين داخل ماليزيا وخارجها، وثبت أن الطفلة شرعية، ابنة أبيها، ولم يكن عندنا أي شك في ذلك أبدا قبل تلك النتيجة.
في ماليزيا منافسات حزبية وسياسية مسمومة مع زوجي ولابد لذلك من ثمن، ولهذا قررت ألا أضايق نفسي بالتفكير في مزاعم فارغة، رأيت من الأفضل أن أتجه إلى الله، فظللت ليلة كاملة أصلي، أدعوه أن يساعدني ويلهمني الصبر، بعد ذلك شعرت بالاطمئنان النفسي والحمد لله.
انتهى كل شيء فيما بعد. خرج أنور إبراهيم عام2004 بعد أن برأته المحكمة من تهمة اللواط، لكنه عاد مرة أخرى إلى السجن عام 2009 بعد تهم لواط جديدة في عهد رئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرزاق.
وفي فبراير 2010 بدأت محاكمته مجددا، ودافع هو عن نفسه كما دافع عنها في عهد رئاسة مهاتير محمد بأنها مدبرة  وذات دوافع سياسية من نجيب وزوجته روسماه، وهو الذي حوكم فيما بعد بتهمة الفساد المالي بشأن أموال خليجية خصصها لنفسه.
في 15/5/2018 برأت المحكمة أنور إبراهيم من تهم اللواط للمرة الثانية وخرج من السجن وعاد مجددا كحليف لمهاتير محمد ووحدا صفوفهما وانتصرا في الانتخابات، حيث عاد مهاتير رئيسا للحكومة بعد أن أصبح رجلا تسعينيا، وتولت الدكتورة عزيزة إسماعيل منصب نائب رئيس الحكومة، ووعد بالتخلي عن الحكم بعد عامين لصديقه ثم عدوه اللدود وصديقه مؤخرا أنور إبراهيم.
فهل يكون ذلك هو المشوار الأخير لعناء أسرة أنور إبراهيم.. الله أعلم. وهل شعر مهاتير بالندم على تلك الاتهامات في فترة حكمه الأولى؟..
السياسيون لا يندمون بسبب قسوة أدوات الصراع التي يستخدمونها. يندمون فقط عندما يفشلون في الوصول إلى غاياتهم.