الخميس، 12-12-2019
06:41 م
فراج إسماعيل
بعد أن انتهيت من حواري مع الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا عام 1998، طلبت من الشاب الذي خصصته الحكومة الماليزية لمرافقتي، أن يذهب بي إلى أحد المقاهي، فرأسي يكاد ينفجر من هول الاتهامات التي راح يؤكدها لي الدكتور مهاتير بشأن صديقه وتلميذه الدكتور أنور إبراهيم والتي تتمحور حول علاقات جنسية غير سوية حوكم وحبس بسببها.
أنور إبراهيم شخصية لها وزنها في أوساط الإسلاميين، فهل تكون تلك التهم حقيقية.. لواط وزنى. أيعقل هذا؟!.. أم أننا في العالم الإسلامي والمجتمعات المحافظة نستسهل مثل هذه المزاعم ونراها أقرب طريق للقضاء على خصومنا السياسيين.
كان ينبغي أن أستمع إلى الطرف الآخر. لكن ذلك الطرف وهو أنور نفسه يقبع في السجن. إذن لتكن زوجته الدكتورة عزيزة وان إسماعيل، التي بدأت الصعود السياسي بعد تغييب زوجها في السجن وأصبحت زعيمة حزب وزعيمة المعارضة، إلى أن وصلت حاليا إلى منصب نائب لرئيس الوزراء الذي حبس زوجها بأقسى تهم.. مهاتير محمد.. سبحان الله.
أخبرت الشاب بما في ذهني، فعبر عن خشيته أن يسبب لي ذلك بعض المتاعب خلال إقامتي في كوالالمبور، خصوصا أن تسهيلات كبيرة قدمت لي للقاء مهاتير في وقت ازدحم فيه جدول لقاءاته الصحفية لدرجة رفض كثير من الطلبات. تناولنا الشاي والقهوة ثم قام بتوصيلي إلى الفندق وتركني على أمل أن يجد وسيلة للقاء الدكتورة عزيزة.
قبل منتصف الليل اتصل بي ليخبرني أنه سيمر في السابعة صباحا للإفطار سويا. وعندما جاءني فوجئت به يخبرني بأن الدكتورة عزيزه تنتظرني في فيلتها الساعة العاشرة صباحا، وأن علينا الذهاب لأحد المطاعم للإفطار، ثم تناول القهوة على مقهى مقابل لفيلتها حتى يسهل لنا التأكد من خلوها من العيون الأمنية التي ظلت هناك لقترة عقب اقتحام الفيلا واعتقاله من بين زوجته وأطفاله.
استقبلني السكرتير الخاص على باب الفيلا الصغيرة المحاطة بحديقة. كانت آثار اقتحام الشرطة لاعتقال أنور إبراهيم واضحة على أحد الأبواب. قادني السكرتير إلى الصالون حيث جاءت بعد قليل الدكتورة عزيزة، طبيبة العيون، بوجه هادئ وابتسامة خفيفة لم تستطع أن تخفي جبال الحزن. سيدة أربعينية قصيرة القوام، ترتدي خمارا. استأذنت لتستكمل حوارها مع مراسلة "السي إن إن" التي سبقتني إليها.
وريثما تنتهي المراسلة الأمريكية من حديثها مع الدكتورة عزيزة، جلست أتجول في الفيلا بعيني. سجادة الصلاة المخصصة للدكتور أنور في أحد الأماكن، وعلى طاولة مجاورة مصحف كبير. أثاث مودرن يشي بالطابع الغربي الحديث. ثم جاءت فتاة، في وجهها كوكتيل من أنور وعزيزة، قدمتها لي أمها بأنها الابنة الكبرى نور العزة، أو "نور" كما نادتها لتصافحني. كانت الفتاة تستعد لدخول كلية الهندسة التي تخرجت منها عام 2004 مع إنهاء والدها عقوبة حبسه 6 سنوات، حيث احتفل معها بحصولها على بكالوريوس الهندسة الكهربائية والالكترونيات، لكنه أرسلها إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية. مرت السنون وأصبحت نائبة في البرلمان ومعارضة سياسية بارزة، وتذهب بعض التقديرات حاليا إلى أنها قد تواصل صعودها إلى منصب رئيس الوزراء الذي يحتله مهاتير حاليا ووعد بتسليمه خلال عامين لأنور إبراهيم.
ما دار في ذهني وأنا انتظر انتهاء المراسلة الأمريكية من مقابلتها مع الدكتورة عزيزة إسماعيل، هو بعينه ما كتبته في مقدمة حواري معها في مجلة المجلة اللندنية، العدد 979، 15 نوفمبر 1998.
قلت في المقدمة: كيف تسأل زوجة عن "عشيقة زوجها"؟.. كيف تواجه إمرأة أنجبت من رجل أحبته 6 أطفال، لماذا اتهم زوجك باللواط؟.. كيف تحاور أنثى جرحت في أعز ما تملك، خصوصيتها وأسرار بيتها وعلاقتها الزوجية؟.. هذه المرأة تحولت بفعل الضغط من "زوجة مخدوعة" إلى زعيمة سياسية، فإلي أي منهما تتوجه بالسؤال؟
اخترت أن تكون أسئلتي إلى الأنثى والمرأة الجريحة.. إلى الدكتورة عزيزة زوجة أشهر سياسي في شرق آسيا مسجون بتهم أخلاقية.
وللحكاية بقية...