الإثنين، 14-12-2020
05:35 م
شخصيا اعتبر عمرو موسى رغم اختلافي مع بعض مواقفه، آخر
وزراء خارجية مصر وأكثرهم إبهارا و
كاريزمية. من جاء بعده كانوا مجرد
موظفين، رغم إعجابي بدماثة خلق خليفته أحمد ماهر وقيمة عائلته السياسية التاريخية.
صدر الجزء الثاني من سيرة عمرو موسى، بعنوان "سنوات
الجامعة العربية"وتتناول المرحلة من 2001 حتى 2011، وحقق الجزء الأول "كتابيه" انتشارا وجدلا واسعين بلغته الأدبية الرشيقة، وتناول سنواته كوزير لل
خارجية، وقبلها التحاقه بالعمل الدبلوماسي نهاية الخمسينيات.
زرته في مكتبه بالأمانة العامة للجامعة العربية مع الصحفي السعودي هاني نقشبندي رئيس تحرير مجلة المجلة اللندنية وقتها، وعرض عليه هاني كتابة سيرته الذاتية للمجلة وأن أقوم أنا بتسجيلها وكتابتها، ووافق السيد عمرو موسى وحدد لي وقتا مبكرا في صباح كل يوم حيث يمارس رياضة المشي في نادي الصيد .
كان عيد الأضحى على الأبواب، فقال: لنبدأ بعد العيد.
لسبب ما لم أتصل به لأبدأ معه تسجيل سيرته الذاتية، وهذا ما بررت به لهاني نقشبندي عندما سألني، لكن الحقيقة أنني ترددت ثم امتنعت، فكتابة السير الذاتية لأشخاص ملء السمع والبصر كعمرو موسى لا يجب أن تبدأ إلا بعد تقاعدهم، وكنت أرى أن أمامه سنوات أخرى من العطاء والتأثير، خصوصا أنه وقتئذ كان لا يزال في منصبه أمينا عاما للجامعة العربية.
نعم فرطت في سبق مهم لحياتي المهنية، لكني احترمت قاعدة عامة أؤمن بها وهذا يكفيني.
التقيت بعد ذلك بعمرو موسى وهو لا يزال في منصبه، ونشرت له حوارا على صفحات المجلة. إنه دبلوماسي محترف في الكلام المنضبط وفي السهل الممتنع. لا يتعب الصحفي في التقاط كلامه ولا يجد مشقة في تفريغه على الورق للنشر، ثم يجد نفسه أمام ثروة من العناوين المثيرة الجذابة.
ورغم حبي له انتقدته بعنف بعد ذلك بسبب مواقفه في جبهة الانقاذ التي تألفت لمعارضة حكم الإخوان، ونشرت المقال في عمود يومي كنت أكتبه بجريدة الصباح، وأعدت نشره في موقع قناة العربية الذي كنت أتولى منصب نائب رئيس تحريره أو رئيس التحرير الفعلي وهذا ما أغضب السيد عمرو موسى، حسب ما نقله لي المذيع المرموق بقناة العربية محمود الوراوري الذي كان يعمل من مكتب العربية في القاهرة.
كان الغضب كما نقل لي عتابا رقيقا ودبلوماسيا لأنني أعدت نشر المقال في موقع يقرأه الملايين، وأنه كان يجب أن أسمع أولا منه.
لأنه دبلوماسي محترف ويعرف قيمة الرأي الآخر ويقدره، وأن ممارسة السياسة أشبه بالضرير في غياب الحريات الإعلامية، لم يسمع منه الوراوري أكثر من العتاب.
كان يمكنه أن يتصل بأكبر مسؤول في القناة ليحذف المقال، لكنه عمرو موسى الموقف والتاريخ والدبلوماسية المتمكنة وصاحب التحذير الشهير من الهرولة نحو التطبيع الذي صار بعد عقدين واقعا مريرا .
تقديرا مني قمت بحذف المقال وهي المرة الوحيدة التي فعلتها في عملي.