الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 07:04 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

صحافة عضة الكلب

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر توصل المصريون إلى شكل مبكر لصحافة التواصل الاجتماعي الحالية أو صحافة المواطن، وحققت رواجا في ذلك الزمن، وأكل منها أصحابها "عيش" .. بل وحصلوا لها على إعلانات يتقاضون مقابلها فورا  من صاحب الإعلان أو الإشهار.
في العتبة والفجالة والأزهر  وغيرها كان الكتبة يجلسون على الأرصفة بجانب المطابع أو على المقاهي وأمام أرصفة المحاكم المختلطة، حيث يقصدهم من يرغب في إبداء رأيه أو انتقاد شيء أو شخص، أو الشكوى، ويطلب من أحدهم أن يكتب له ذلك لينشره في صحيفةه المتواضعة فنيا وتحريريا بالطبع، وبعدها يدفع بها صاحبها إلى المطبعة.
لم يكن لهذه الصحف أن تبرز مواهب، فهي مجرد ناقل بقلم كاتبها لما يدور على لسان حال أصحابها، ومع ذلك كانت ظاهرة ناجحة لأنها تعبر عن المواطن، تطرح متاعبه ومشاكله، وليست لسان مكاتب العلاقات العامة والمكاتب الصحفية والمجاملات.
لذلك عندما وصل عدد الصحف في عام  1900 نحو 133 صحيفة منها 18 صحيفة يومية، كان توزيع أقل صحيفة منها يتجاوز 20 ألف نسخة.
العودة إلى الناس واحتياجاتهم ينمي الصحيفة توزيعيا وتحريريا. لا يجب أن تظل صحافة خبر كما هو حالها قبل صحافة التواصل الاجتماعي وصحافة الموبايل سريعة الإيقاع والتحرك، إضافة إلى القنوات الإخبارية. 
لو تمسكت بنهجها الخبري العتيق والسباق بين عضة الكلب وعضة الإنسان للكلب فإنها ستدفن نفسها حتما وتتحول إلى كائنات منقرضة.
في دورة تدريبية حضرتها بصحبة قيادات إعلامية رقمية في قناة CNN في مقرها بمدينة اتلانتا، سألنا أحد المدربين واحدا بعد الآخر: كيف تجذب المتابعين إلى صحيفةك أو موقعك وتتفوق على صفحات التواصل، وعندما جاء دوري أجبت: أن تتحول صحيفةي إلى شبه لصفحات التواصل.. السرعة والبساطة وهموم ومشاكل الناس. أشعر المتابعين بأنهم يكتبونها هم .
قال أحدهم: ذلك غير ممكن. أنت مثلا قادم من العالم الثالث، وما أجبت به مستحيل عندكم، لأنه غير مسموح به رقابيا على الأقل.
صحيح.. لكن الوصول إلى صيغة توافقية أمر متاح. في CNN مثلا الأفكار التي تناقش في اجتماع الصباح مستقاة من صفحات التواصل. يقوم المراسلون بالبحث عن خلفياتها وتطويرها واستخدام الإمكانيات التصويرية المتقدمة جدا في إعادة انتاجها.
سألني المدرب: إذن أنت تحصر دورك في إعادة التدوير؟.. رددت: الناس تأكل الطعام الذي يعجبها ولا تفرض عليهم الطعام.
كانت مناقشة ثرية جدا تحدث فيها صحفيون من فيتنام وكوريا الجنوبية والبرازيل والفلبين وألمانيا وفرنسا ومعهم أنا ممثلا لقناة عربية إخبارية خليجية.
عرضت عليهم قصة صحافة المقاهي التي ازدهرت في مصر باعتبارها صحافة تواصل اجتماعي وكيف كانت بذرة جيدة التخصيب لصحافة مرتفعة التوزيع في مستهل القرن العشرين.