السبت 02 نوفمبر 2024
توقيت مصر 20:25 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

"ريب فان وينكل" وأصحاب الكهف

في قصته الشهيرة المعنونة باسم بطلها" ريب فان وينكل" Rip Van Winkle والتي كتبها الأديب والمؤرخ الأمريكي الشهير واشنطن إرفنج Washington Irving (1783م- 1859م) ، والتي تدور أحداثها حول شخصية ريب فان وينكل  الرجل القروي الأمريكي من أصل هولندي في (الفترة) ما قبل وبعد حرب الثورة الأمريكية (  1775م- 1783م  )، في قرية عند سفح جبال كاتسكل في مدينة نيويورك، وكان ريب ونكل رجلا بسيطا وكسولا لا يحب الأعمال الشاقة في مزرعته، وكان له زوجة مزعجة تسبب له إرهاقا نفسيا مستمرا، فخرج ذات يوم يتجول بصحبة كلبه هربا من إزعاج زوجته، وأثناء تجوله بسفح الجبال سمع صوتا  يصرخ ويناديه باسمه،فاتجه نحو الصوت ليرى رجلا يرتدي ملابس هولندية قديمة، ويطلب مساعدته في حمل وعاء كبير أثناء صعوده الجبل ، حتى وصلا معا بصحبة الكلب إلى كهف في الجبل وبداخله بعض الرجال ذوي اللحى والذين يلعبون في صمت، وبدلا من أن يسألهم عن هويتهم وكيف عرفوا اسمه، إذا به يجلس معهم ليحتسي الكحول، فيغيب عن الوعي وينام. وبعد أن استيقظ عائدا إلى بيته فوجئ أن كل شيء قد تغير، ثم يكتشف أنه نام عشر سنوات. و بالتأكيد تحدث بعض المفاجآت الطريفة قبل أن يصل إلى ذلك الاكتشاف. وعلى الرغم من أن كثيرا من النقاد قد أشاروا إلى احتمال استلهام فكرة واشنطن إرفنج لهذه القصة من الفولكور العالمي، فهناك قصص مشابهة في الأدب اليوناني والصيني و الفولكلور الألماني ، وغير ذلك من الأساطير العالمية ، وحتى في الديانة المسيحية هناك القصة الشهيرة عن النائمين السبعة في أفسس The seven sleepers of Ephesus الذين هربوا من اضطهاد الإمبراطور الروماني ديسيوس حوالي سنة 250 بعد ميلاد المسيح عليه السلام، واستيقظوا بعد( 200) مائتي عام ليجدوا أن المسيحية أصبحت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية،وهي القصة التي أشار إليها القرآن في سورة الكهف عن هؤلاء الفتية الذين هربوا فرارا بدينهم، على الرغم من ذلك، فإن إشارات النقاد والكتاب الغربيين إلى احتمال تأثر واشنطن إرفنج بما ورد في القرآن يكاد يكون معدوما، لكننا في هذه الدراسة الموجزة لابد، أن نركز على هذا الاحتمال لعدة أسباب منها :
أن إرفنج كتب قصته في مدينة برمنجهام بإنجلترا عام 1819م ، في ظل انتشار ترجمة جورج سيل   للقرآن George Sale 1734م  وهي الترجمة التي هيمنت على العقل الغربي لحوالي قرنين من الزمان، وكانت قراءة ترجمة القرآن أشبه بموجه ثقافية كبيرة اجتاحت أوروبا على الرغم مما شابها من أخطاء وتحيز ضد نبي الإسلام والقرآن نفسه ، فقرأها كثير من رواد التنوير الغربي وعلى رأسهم جان جاك روسو وفولتير، وغيرهما ، بل كان هذا التأثير عابرا للقارات، حيث وجدوا في مكتبة الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) وجدوا نسخة من هذه الترجمة، ولم يجد النقاد مبررا لذلك إلا دافع الفضول عند جيفرسون وخاصة أن القرآن كان ملهما تشريعيا كبيرا ليس لجيفرسون فقط ، بل لروسو نفسه الذي أشار إلى ذلك في كتابه العقد الاجتماعي.
و السبب الثاني هو أن واشنطن إرفنج  أثناء محاولته دراسة القانون( ربما) اطلع على هذه الترجمة للإفادة من التشريع في القرآن. أما السبب الثالث و الأهم، فهو ذلك التحول الدراماتيكي الذي حدث في حياة إرفنج وشغفه بالإسلام ونبي الإسلام ، حتى يمكن أن يقال إن إرفنج هو الذي قدم الإسلام للولايات المتحدة الأمريكية، للدرجة التي جعلت بعض النقاد يقارن بين اكتشاف كولمبوس للولايات المتحدة، وإعادة اكتشاف إرفنج واشنطن للإسلام في أمريكا، وكان لافتا في هذا الاكتشاف هو تأثر إرفنج بترجمة جورج سيل للقرآن والإفادة من هوامشه وتعليقاته، وهو الأمر الذي يجعلنا نقترب من (تأكيد) احتمال تأثر إرفنج  أحد رواد القصة القصيرة في الولايات المتحدة ، وأحد أشهر كتابها واستلهام قصة أصحاب الكهف أو قصة عزير ، ولولا خشية الإطالة لقدمنا الكثير من القرائن الأخرى على ذلك الاحتمال. لكن سنحاول في مقالات لاحقة أن نسلط الضوء على إعادة اكتشاف واشنطن إرفنج للإسلام الأمريكي، والكتب التي ألفها والتي كان لها تأثير كبير ليس في أمريكا وحدها بل ربما في كثير من دول العالم أيضا.