الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 15:26 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

إيران ووقف العمل بالبروتوكول الإضافي ومستقبل الاتفاق

يتصور البعض أنه بحلول الثالث والعشرين من الشهر الجاري وبدء إيران تنفيذ قرار برلمانها بوقف العمل بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي والذي يسمح للمفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية في أي وقت أن ذلك سيكون تجاوزا للخطوط الحمراء التي ربما تدفع واشنطن إلى التصعيد مع طهران كون أن ذلك يمنح إيران فرصة القيام بأنشطتها في الخفاء ودون رقابة من قبل الوكالة الدولية.
والحقيقة أن الخطوة الإيرانية التي تبدو في ظاهرها تصعيدية لا تعدو عن كونها واحدة من أدوات الضغط التي تستخدمها إيران في معركتها لعض الأصابع مع أمريكا من أجل دفع دبلوماسيها فضلا عن الأطراف الوسيطة وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي إلى الدفع بقيام واشنطن باتخاذ الخطوة الأولى للوراء طالما أن خيار التصعيد العسكري ضد إيران لإجبارها على الالتزام ببنود الاتفاق ليس واردا في الوقت الحالي لاعتبارات كثيرة أشرنا سابقا إلى بعضها مرارا.
فوقف العمل بالبرتوكول يعني أنه لم يعد بمقدور الوكالة القيام بعمليات التفتيش بشكل مفاجئ لكن ثمة اتفاق آخر يفرض على إيران استمرارية قيام المفتشين بهذه العمليات التفتيشية بآليات أخرى وفق معاهدة الحد من الانتشار النووي التي وقعت عليها إيران الأمر الذي سيمنح الوكالة أيضا مراقبة تطورات الوضع الذي وبموضوعية شديدة لا تتردد إيران أن تعلن عنه كونها تتعاطى مع المف النووي كورقة ابتزاز لأمريكا وللمجتمع الدولي وليس أكثر لأنها في الحقيقة تدرك أن التجاوز في هذا الملف هو تجاوز للخطوط الحمراء بل إن مجرد محاولة الاقتراب منه في حد ذاته يعد دخولا في منطقة حمراء ستكون تداعياتها خطيرة للغاية.
وربما يفسر ما سبق تلك الزيارة التي يعتزم القيام بها مدير الوكالة الدولية للعاصمة طهران يوم السبت المقبل حيث سيبحث مع الإيرانيين الآليات الجديدة التي تنظم عمل مفتشي وخبراء الوكالة.
وهنا ثمة نقطتين مهمتين يجب أن نشير إليهما:
فأما النقطة الأولى فتتعلق بأنه وعلى الرغم من الضجة الكبيرة التي تصاحب مسألة الاتفاق النووي وعودة واشنطن له إلا أن الأهم في نظري لدى إيران قضيتان أخريتان تسعى في الواقع بعض الأطراف والقوى الإقليمية لفتحهما وهما البرنامج الصاروخي الباليتسي والدور الإقليمي لإيران.. 
وفي هذا الصدد أيضا يوجد تساؤلان مهمان يجب أن نطرحهما وهما:
هل لدى إيران استعداد للتنازل على أي مستوى بشأن برنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي؟ وهل واشنطن جادة بالفعل في الضغط على إيران لتضمين بنود جديدة بشأن هذين الملفين لاتفاق أوسع من الاتفاق النووي 2015؟
والحقيقة أنه ووفق ظني فإن إيران لا يمكنها على الإطلاق أن تتنازل بشأن البرنامج الصاروخي الباليستي كونه تعويضا لها عن عدم التحديث في أسطولها الجوي ودفاعاتها الجوية طيلة أربعين عاما ماضية ومن ثم فإن التنازل بشأن هذا البرنامج يعني ببساطة شديدة التفريط في أحد أهم عناصر قوتها العكسرية الإقليمية.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للدور الإقليمي لإيران وجهودها لمد النوفذ من خلال ميليشياتها الولائية في العراق واليمن وسوريا ولبنان ففضلا عن أن دوافع أيدلوجية وراء هذا الدور لا يمكن أن تتخلى عنه باعتباره صلب الثورة الخيمنية فإن استخدام هذا النفوذ أيضا أثبت فاعليتيه خلال السنوات الماضية حيث وضع إيران في موضع إقليمي ودولي لم تكن تحلم به.
أما فيما يتعلق بجدية أمريكا في الضغط على إيران بشأن هذين الملفين فهو أمر مشكوك فيه بدرجة كبيرة وذلك بالاستناد إلى التصريحات المتعارضة للمسئولين الأمركييين الذين مرة يتحدثون عن ارتهان عودة أمريكا للاتفاق النووي بعد عودة إيران للالتزام ببنوده ومرة يتحدثون عن أهمية التفاوض حول اتفاق جديد يشتمل بنودا تتعلق بالملفين فضلا عن واشنطن نفسها من ساعدت طهران على تزايد نفوذها بالمنطقة وهو السلوك الذي لن تتردد واشنطن في تكراره في حال استلزمت الأوضاع ذلك وهو أمر غير مستبعد طالما بقيت ورقة التنظيمات المتطرفة في المنطقة والتي أثببت الوقائع أن إيران أحد أهم اللاعبين فيها كونها تمثل لإيران هي الأخرى ورقة وظيفية.
في هذا الإطار فإن التعنت الإيراني بشأن هذين الملفين هو ما يدفع طهران إلى عدم الرضوخ للضغوط الأمريكية بشأن الملف النووي حتى لا تتصور أمريكا أنه يمكنها أن تأخذ أكثر مما تريد إيران أن تعطي.
وأما النقطة الثانية فتتعلق بمدى إمكانية الخروج من حالة العناد المتبادلة..  وهي الحالة التي لطالما أكدنا مرارا أنها تؤكد وبشدة أن كلا الطرفين حريصين على الحل وليس كما يتوهم البعض بأنهما يميلان للتصعيد فلازالت الإستراتيجية الأمريكية تنظر إلى دور إيران في المنطقة بأهمية شديدة وهو دور لا يمكن الاستغناء عنه على مستويات عديدة أمنية وسياسية واقتصادية بل وأيدلوجية أيضا ومن ثم فهي تتفادى الوصول إلى حالة الصدام وتبذل ما في وسعها إلى أن تقوم إيران بالدور المنوط بها على أكمل وجه  وأن ترضى بالتحرك في المساحة التي تسمح بها واشنطن دون التطلع للمزيد فيما أن إيران هي الأخرى تدرك أن أي استفزاز أو خروج عن النص ربما يعرضها لما لا يحمد عقباه فتنهار كل جهودها على مدار العقود الماضية.
وفي حال اتفقنا على ذلك فإن الوصول إلى حل لمعضلة عض الأصابع يصبح مسألة وقت وبالتالي ليس شرطا أن يصرخ أحد الطرفين فيما يكون الطرف الثاني منتصرا إذ من الاحتمالات أيضا أن يصرخ الاثنان أو أن يتوقف كل منهما عن عض أصابع الآخر وهي الاحتمالات التي يمكن للأطراف الوسيطة أن تدفع بوقوعها وهو ما تسعى الآن له كل من دول الاتحاد الأوربي الموقعة على الاتفاق "بريطانيا – فرنسا – ألمانيا" وروسيا والصين وهي الأطراف التي تدرك مدى خطورة أي تصعيد محتمل ولو نتيجة خطأ غير مقصود.
ومن بين هذه الاحتمالات مثلا تنفيذ مقترح خطوة خطوة وأن يكون تناول مقابل تنازل حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد يوليو 2015 أو أن يفعل الاتحاد الأوروبي من آلية التبادل الاقتصادي مع إيران "انستكس" الأمر الذي يخفف من وقع العقوبات الاقتصادية