قائد «فيلق القدس» ضالع فى ارتكاب مجازر ومعارك سوريا والعراق
عراقيون يحتفلون فى الشوارع بمقتله.. وسوريون يوزعون الحلوى ابتهاجًا
«حماس» و«الجهاد الإسلامى» يصفانه بـ «الشهيد» ويقيمان سرادق عزاء له فى غزة
إخوان اليمن: مقتله فاجعة وخسارة كبيرة لكنه ارتقى شهيدًا.. «طالبان» تعرب عن «أسفها الشديد» وتهدد أمريكا
باحث: موته على يد أمريكا تسبب فى موجة تعاطف معه.. ومعظم الحركات تعتبره إرهابيًا وقاتلاً
قيادى إخوانى سابق: إيران ساعدت فى تسليح «حماس».. هل مطلوب تصطف مع العدو الصهيوني؟!
باحث: يساهمون فى خداع وإضلال الأمة بنعيه على الرغم من إدراكهم لجرائمه
على الرغم من حالة العداء والكره التى يتمتع بها قاسم سليمانى قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثورى الإيرانى في أوساط الجماعات والتنظيمات الإسلامية عمومًا، إلا أن البعض شذ عن القاعدة، وكان له رأى مخالف بعد مقتله في غارة أمريكية فجر الجمعة 3 يناير الجاري، إذ سارع بعضهم بنعيه، فيما وصفه آخرون بـ «الشهيد»، وهو أمر يطرح التساؤلات حول أسباب ذلك، في ظل حالة الغضب المتنامي تجاه الرجل الذي كان ضالعًا في عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية في العديد من دول المنطقة.
إذ يتهم قطاع كبير من الإسلاميين «سليماني» بأنه ارتكب وأشرف على العشرات من المجازر والمعارك الدموية في سوريا والعراق واليمن ولبنان، حتى إن هناك من يعده «مجرم حرب»، في ظل الدور التخريبي الذي مارسه في كل الدول التي امتدت إليها الذراع الإيرانية، عن طريق دعم وتمويل للمليشيات التي نشرت الموت والدم.
تجسدت ردود الفعل في لقطات ومقاطع فيديو مصورة لاحتفالات صاخبة بموته، ظهرت في مسارعة العديد من العراقيين إلى الخروج للشوارع تعبيرًا عن فرحتهم بعد الإعلان عن قصف موكبه في بغداد، كما ظهر سوريون وهم يوزعون الحلوى على المارة بعد تأكيد اغتيال «سليماني».
غير أن ذلك لا ينفي في المقابل، تأبين بعض الفصائل والتنظيمات الإسلامية للقائد الإيراني، وهو الأمر الذي يربطه مراقبون بالدعم المادي التي تحصل عليه من إيران، وهو أمر لا يخفى على وجه أخص في الدعم الذي تتلقاه تنظيمات فلسطينية، في مقدمتها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي».
كانت «حماس»، أول من نعى الجنرال الإيراني، ولم تكتفِ بذلك، إذ أقامت له سرادق عزاء في غزة.
وقالت في بيان لها: «تنعى الحركة القائد سليماني، وشهداء الغارة الأمريكية هذا اليوم، فإنها تتقدم بالتعزية للشعب العراقى الشقيق، باستشهاد عدد من أبنائه جراء الغارة الأمريكية الغادرة».
وأضافت: «نتقدم بخالص التعزية والمواساة للقيادة الإيرانية والشعب الإيرانى باستشهاد اللواء سليماني، أحد أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، والذى كان له دور بارز فى دعم المقاومة الفلسطينية فى مختلف المجالات».
وحملت الحركة، الولايات المتحدة «المسؤولية عن الدماء التى تسيل فى المنطقة العربية، خاصة أنها بسلوكها العدوانى تؤجج الصراعات، دون أى اعتبار لمصالح الشعوب وحريتها واستقرارها».
كما أصدرت حركة «الجهاد الإسلامى» فى فلسطين، بيانًا مماثلاً نعت فيه «سليماني»، قائلة: «ننعى قائدًا فذًا لم يجاره فى موقفه وفى جهاده أحد منذ عقود، فى فلسطين وفى المنطقة».
وأضافت: «سليمانى استهدفته يد العدوان الأمريكى الصهيوني، يد الشيطان الأكبر، وهو فى خطوط المواجهة مع هذا الشيطان، وارتقى شهيدا»، مردفة: «اليوم باسمك تنادى الأمة، وترتفع راياتها فى مواجهة هذا العدوان».
وتابعت: «لن ترتبك حركة المقاومة ولا محورها فى المواجهة، ولن تتردد فى مسيرتها نحو أهدافها الكبرى فى تحرير فلسطين وبيت المقدس».
وفي اليمن، اعتبر «التجمع اليمنى للإصلاح»، فرع التنظيم العالمى للإخوان، مقتل الجنرال الإيرانى فاجعة وخسارة كبيرة، «إلا أن ما يخفف الألم هو نبأ استشهاده» بحسب بيانه.
وقال: «تزف الأمانة العامة للتجمع اليمنى للإصلاح وكافة المستويات القيادية فى الحزب لجماهيرها وللشعوب الإسلامية المقاومة نبأ ارتقاء القائد قاسم سليمانى شهيداً بإذن الله تعالى فى العراق على أيدى أعداء الإسلام».
وتابع: «إن قيادة الحزب وهى تشارك أعضاء وأنصار الإصلاح وجماهير الشعب اليمنى والعربى والإسلامى هذا المصاب فإنها تدعو كل المسلمين إلى السير على ذات الدرب الذى سار عليه الشهيد قاسم سليمانى إحقاقًا للحق ونصرًا للمسلمين ودفاعًا عن الخير، حيث جسّد قيم النبل والصدق والإخلاص فى كل المواقع التى شغلها وقدم نموذجاً للخصال الحميدة فى كل الميادين التى خاض غمارها».
واختتم: «نسأل الله الرحمة للشهيد قاسم سليمانى فقد خرج مضحيًا بماله ونفسه ولم يرجع منهما بشيء، ولإخوانه الذين سبقوه».
أيضًا، نددت حركة «طالبان» الأفغانية، فى بيان، بمقتل قائد فيلق القدس، محذرة الولايات المتحدة من عواقب ما وصفته بـ«المغامرة الأمريكية».
ووصفت الحركة سليمانى بـ«المجاهد الكبير»، معتبرة أن عملية اغتياله جاءت «بطريقة وحشية»، وأن «الجهاد ضد القوات الأمريكية فى أفغانستان سيستمر بقوة».
وجاء فى البيان: «لقد أُبلغنا بحزن شديد أن سليمانى قتل فى هجوم شنته القوات الأمريكية الهمجية»، مضيفًا: «تؤكد إمارة أفغانستان الاستمرار فى مواجهة الوحشية والاحتلال الأمريكي».
واعتبرت «طالبان» التى تتلقى دعمًا ماليًا وتسليحًا من إيران أن «رد الولايات المتحدة على اغتيال الجنرال سليمانى وخوف ترامب من تحمل المسؤولية عن القتل، يدل على أن أمريكا أصبحت عاجزة أكثر من أى وقت مضى»، بحسب ما جاء فى البيان.
شملت قائمة المعزين، الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذي نعى «سليماني»، قائلًا: «أشعر بالأسى لفقدان قاسم سليمانى وأتفهم غضب شعب إيران ومرشدها ورئيسها».
وأضاف «أردوغان» فى اتصال هاتفى مع الرئيس الإيراني: «شاهدت مراسم تشييع سليمانى فى العراق وهى تدل على شعبيته لدى الشعب العراقي»، معتبرًا أن الولايات المتحدة «ارتكبت خطأ جسيمًا باغتيال سليماني»، حسبما نقلت روسيا اليوم.
وأشار إلى أن التدخل الخارجى والنزاع فى المنطقة يحولان دون تحقيق الأمن والاستقرار فيها، مؤكدًا ضرورة «عدم السماح للتدخل الخارجى بما لا يعرض السلام والاستقرار فى المنطقة للخطر».
الدعم الإيراني
ردود الفعل هذه اعتبرها باحث في الحركات الإسلامية، تأتي انعكاسًا للصلات الوثيقة بالتنظيمات السابقة وإيران، التي تقدم دعمًا لها، لا يقتصر على المال فقط، بل والسلاح أيضًا، وهو ما يفسر برأيه مسارعتها إلى التنديد باغتياله، على الرغم مما أثير حوله، والدور الذي قام به في العراق وسوريا على وجه التحديد.
وقال سامح عيد، الناشط السابق بجماعة «الإخوان المسلمين»، والباحث فى الحركات الإسلامية، إن «التنظيمات والجماعات التى نعت «سليماني» تحصل على دعم كبير من إيران، وبعضها يتلقى تدريبات على يدها، ومن ثم كان لزامًا عليها أن تبادر إلى تقديم التعزية فيه».
وأضاف لـ«المصريون»: «الموقف الفلسطينى يختلف عن أى موقف، إذ أن إيران دعمت حماس بشدة فى 2008 ضد الاحتلال الإسرائيلى وكذلك فعل حزب الله، وبالتالى موقفها لا يعتبر غريبًا في ظل الدعم الذي حصلا عليه من إيران».
وتابع: «قتل أمريكا للجنرال الإيرانى كان سببًا فى تعاطف البعض معه ونعيه، الناس معبأة ضد الأمريكان ويكرهون الأمريكان بسبب ما فعلوه فى العراق وأفغانستان وغيرهما من الدول، وهؤلاء ترحموا على سليمانى كرهًا في أمريكا».
مع ذلك، أكد أن غالبية الحركات والتنظيمات الإسلامية ترى الجنرال الإيرانى «إرهابيًا وقاتلاً»؛ لأنهم «يعتبرونه سببًا فى إجهاض الثورة السورية وسببًا فى خراب بعض الدول، وهؤلاء موقفهم ثابت تجاهه».
دفاعًا عن حماس
إلى ذلك، رأى محيى عيسى، القيادى الإخوانى والبرلمانى السابق، أن «حماس» لم تخطئ عندما نعت الجنرال الإيراني، معللًا ذلك بأنها «لا ترى عدوًا سوى الاحتلال الصهيونى الغاصب لأرضها».
وكتب «عيسى» منشورًا مطولًا عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، قال فيه: «ما أخطأت حماس بل أجرم العرب»، مضيفًا: «بعيدًا عن تحليل الخبراء الاستراتيجيين على مواقع التواصل، فلا أجد مبررًا للجالسين خلف الكيبورد مرحرحين ليصبوا جام غضبهم على حركة جهادية قررت أن يكون وجهة جهادها فقط تجاه عدو واحد اغتصب أرضها ودنس مقدساتنا، وهى لم تجد حرجًا فى التعاون مع جميع الفرقاء لتقوية شوكتها».
وتابع: «إيران كانت الدولة الوحيدة التى ساعدت فى تسليح الحركة وتدريب كوادرها فى صناعة الصواريخ ولولا هذه المساهمة لأسقطت غزة من سنوات مضت».
وتساءل: «فهل كان مطلوبًا من الحركة أن تصطف مع العدو الصهيونى فى فرحته لمقتل قاسم؟ وهل من المروءة ألا تقدم تعزية فيمن وقف معها وساعدها؟»، مستكملًا: «لم تفعل ذلك لا تركيا ولا قطر لأن غزة لا فيها نفط ولا غاز».
وبحسب القيادي الإخواني السابق: «حماس تفصل فى مواقفها ولا تريد أن تدخل فى أحلاف إسلامية خاسرة ولا تهتم بمشاعر جموع الإسلاميين الذين لم يقدموا لها شيئًا سوى الهتاف الذى يملأ حناجرهم وحتى هذا خفت الآن».
واختتم قائلًا: «يقف العرب والإسلاميون موقف المتفرجين البلهاء لا يعرفون لمن يكون تشجيعهم ولا يصب فى صالح من، ولو التزموا الصمت لكان خيرًا لهم».
«خلط فى المفاهيم»
خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، قال إن التنظيمات والجماعات التي نعت «سليماني»، أو عبرت عن حزنها لمقتله «لديها خلط عجيب وغريب في المفاهيم، إذ أنها تدرك تمامًا أنه تسبب في مقتل المئات، ومع ذلك تنعاه».
وأضاف «الزعفراني» لـ«المصريون»، أن «تلك التنظيمات تحصل على تمويل كبير من إيران، وتتلقى تدريبات وأسلحه منها؛ لذا قامت بنعي الرجل على الرغم من جرائمه التي يعرفها القاصي والداني».
واتهم الزعفراني، هؤلاء الذين نعوا سليماني بأنهم «يساهمون في خداع وضلال الأمة، عن طريق التقرب إلى الشيعة، وإظهارهم على أنهم معتدلون، وقريبون من أهل السنة، وهم ليسوا كذلك».
وأشار الزعفراني إلى أن «سليماني ما دخل بلدًا إلا ونشر الخراب والدمار فيها، حيث قتل المئات من أهل السنة واستحل دماءهم»، رابطًا بين مواقف الناعين لقائد «فيلق القدس»، والحصول على التمويل من إيران، متابعًا: «هذه حركة تمويهية منهم للحصول على الدعم والتمويل».
من هو سليماني؟
ينحدر سليمانى من خلفية متواضعة، فقد ولد لأسرة تعمل بالزراعة فى بلدة رابور فى جنوب شرق إيران فى مارس 1957.
وعندما بدأت الثورة للإطاحة بالشاه فى عام 1978 كان سليمانى يعمل فى مرفق المياه فى بلدية كرمان ونظم مظاهرات ضد الشاه، حتى نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، وبعدها تطوع سليمانى الشاب للعمل فى الحرس الثوري.
وتدرج الرجل فى المناصب حتى عينه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي، قائدا لفيلق القدس فى عام 1998، وهو منصب ظل فيه خلف الكواليس لسنوات، وبفضل نجاحات فيلق القدس، أصبح سليمانى شخصية محورية فى التمدد المطرد لنفوذ إيران فى الشرق الأوسط.
وكان «سليماني» مسؤولاً عن عمليات سرية فى الخارج، وكثيرًا ما كان يشاهد فى ميادين القتال وهو يوجه الجماعات الشيعية العراقية فى الحرب ضد داعش، كما حشد «فيلق القدس» الدعم للرئيس السورى بشار الأسد عندما بدا على وشك الهزيمة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زادت شهرته حيث أظهرت دراسة نشرها فى 2018 مركز «إيران – بول» لاستطلاعات الرأى وجامعة مريلاند، أنّ 83% من الإيرانيين الذين جرى استطلاع آرائهم كانت لديهم آراء إيجابية بسليماني، ما جعله يتقدم على الرئيس حسن روحانى ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.
أما على الصعيد الدولي، يعتبر بعض المسؤولين الغربيين أنّه الشخصية المحورية فى إطار علاقات طهران بجماعات مثل حزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية.
وقلّده خامنئى وسام ذو الفقار، وهو أعلى تكريم عسكرى فى إيران، وكانت هذه المرة الأولى التى يحصل فيها قائد عسكرى على هذا الوسام منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية فى عام 1979.
وكانت الولايات المتحدة، صنّفت الحرس الثورى منظمة إرهابية أجنبية فى 2019، وذلك لممارسة أقصى الضغوط لإجبار إيران على التفاوض بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية وسياستها النووية.