الجمعة 26 أبريل 2024
توقيت مصر 14:10 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

خلي بالك من زوزو

هالة الدسوقي
زينب أو "زوزو" كما أطلق عليها البعض....سيدة تستقبل أولياء الأمور بمدرسة ابنائي لتقوم بتسجيل أسمائهم وكذلك تنظم الدخول والخروج من المدرسة...وهي من وجهة نظري "السيدة المناسبة في المكان المناسب"، فقد بهرتني كما غيري، بلطافتها وظرفها وحلاوة لسانها ومنطقها وكثرة دعائها بالسعادة والصحة والخير للجميع، تحفظ الوجوه وترحب بالقادمين وتودع الذاهبين دون كلل أو ممل بجمل وعبارات غاية في الروعة.
ولعل "زوزو" البسيطة الرائعة حلوة اللسان، مثال علينا الاحتذاء به، فوجهها دائم الابتسام صوتها يردد عبارات الود والحب للجميع، فهي تردد "أهلا ست الكل، ازيك يا حبيبتي، أخبارك يا نور عيني، اتفضلي يا قلبي، مع السلامة نورتونا"، وكأن الجميع يأتون المدرسة كضيوف في منزلها.
وقد حدث ومرضت لبعض الأيام ولم أقم بصحبة ابنائي إلى المدرسة، فما كان منها وقت أن رأتني عقب شفائي إلا الترحيب الشديد بي والسؤال عن صحتي ولماذا لما تراني كل هذه المدة، ولعل كثيرين ممن يقابلونا يوميا يردون علينا السلام بالكاد. 
ولعل زينب جاءت في وقتها المناسب، فهذه البوابة كانت بإدارة حارسها السابق كانت مثارا للمشكلات والشجار، فبينه وبين أولياء الأمور شد وجذب على المواعيد وفتح الباب وتنظيم الدخول والخروج، بينما "زوزو" تتصرف في مثل هذه الأمور بحكمة شديدة، فحدث أن ذهبت في الميعاد الذي حددته المدرسة ولكن ليس مسموح لأحد الدخول، فقامت بتهدئة الجميع بشكل رائع، فحديثها خلى تماما من العصبية والانفعال، ورددت لكل من يأتي:" حبيتي هتنوريني الحبة دول، حبايبي هيستونوا معايه شويه، لو دخلوا حبايبي هيضروني وهما ميرضوش ليه الضرر".....وهنا وقف الجميع دون أن يصدر من أحد حتى أدني اعتراض.
كم أنا معجبة بتلك الشخصية الرائعة وجمال لسانها، وللسان عظيم الأثر على الإنسان وسلامة علاقاته واستقامة أحواله وصلاح حاله في الدنيا وجزاءه على ما قدم لسانه في الأخرة، فقالوا قديما "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك"، وقالوا أيضا "السم في اللسان"، وقالوا أيضا "وخز اللسان أحد من وخز السنان" .
وبهذا العضو الخطير الخالي من العظام تُعمر بيوت وتُخرب أخرى، وبه تنتهي حروب وبه تشتعل أخرى، ومن خلاله تظهر دلائل إيمان الفرد من عدمه، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".
وقد يظن البعض أن فلتات اللسان وأخطاءه شيئا لا يذكر ولا يؤخذ ببال ولكن هيهات؛ واستشهد في هذا المقام بجزء من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه لرسول الله عندما سأله: "... يا رسولَ اللهِ، وإنَّا لمُؤاخَذونَ بما نتكلَّمُ به؟ فقال: ثَكِلتْكَ أُمُّكَ يا معاذُ، وهل يكُبُّ الناسَ في النارِ على وُجوهِهِم -أو قال: على مَناخِرِهم- إلَّا حصائدُ أَلْسِنتِهم؟!
إذا فلكماتك وعباراتك حق تقرير مصيرك في الدنيا وما يترتب عليها من تحديد مصيرك في الأخرة إلى الجنة وهنيئاً النعيم أو إلى النار وبئس  المصير، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنَّ العبدَ لَيتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ ما يَتَبَيَّنُ فيها، يَزِلُّ بِها في النارِ أبعدَ ما بين المشرقِ والمغرِبِ ".
ولأهمية الكلمة على الإنسان وأثرها البالغ على حياته، فهي تتحكم في النفسيات وتغير النفوس وتدفع للأمام أو تدفن في سابع أرض، حذر العلي الجليل ورسوله الكريم من الحماقة واستعمال اللسان في ملاحقة ومحاربة البشر، ولذا أتى هذا العضو في بداية من سوف يشهدون على أعمالنا يوم القيامة، فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ?24 النور?"
وعن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال: يا رسولَ اللهِ حدِّثْني بأمرٍ أعتصِمُ به قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ( قُلْ: ربِّيَ اللهُ ثمَّ استقِمْ ) قال: يا رسولَ اللهِ ما أكثَرُ ما تخافُ عليَّ ؟ قال: ( هذا ) وأشار إلى لسانِه)... اللهم "اجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" وإياكم.