الخميس، 28-05-2020
11:20 م
أسامة شحادة
يلخص لنا العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله، باعث النهضة الجزائرية المعاصرة كمال الحياة الإنسانية بقوله: "حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها مبنية على هذه الأركان الثلاثة:
الإرادة والفكر والعمل...
وهذه الثلاثة متوقفة على ثلاثة أخرى لابد للإنسان منها:
فالعمل متوقف على البدن، والفكر متوقف على العقل، والإرادة متوقفة على الخلق.
فالتفكير الصحيح من العقل الصحيح، والإرادة القوية من الخلق المتين، والعمل المفيد من البدن السليم.
فلهذا كان الإنسان مأمورا بالمحافظة على هذه الثلاث: عقله وخلقه وبدنه، ودفع المضار عنها، فيثقف عقله بالعلم، ويقوم أخلاقه بالسلوك النبوي ويقوي بدنه بتنظيم الغذاء وتوقي الأذى والتريض على العمل". (مجموع أعماله، إعداد د. عمار طالبي، 1/428).
ومَن تأمل بنيان الشريعة الإسلامية يجد أنها تنظم عمل العلم وتقصره على الدليل والبرهان بحسب كل مجال فالواقع دليله الحس والتجربة والخبر الصادق، والغيب برهانه الوحي الثابت، وحارب الإسلام الجهل والخرافة والشائعات، ونتيجة لذلك تعاظمت الحضارة الإسلامية بوقت وجيز وعلى يد خليط من الأمم والشعوب لسلامة المنهج العلمي الإسلامي والذي اقتبسته الحضارة الغربية منا.
وقام بناءُ الشريعة الإسلامية على تحريم كل ما يذهب بالعقل والإدراك والفهم، فحرمت كل المسكرات والمفترات، من أجل الحفاظ على التكريم الرباني للجنس البشري، فكلنا يعرف مدى الانحطاط والسفور الذي يصله من فقد عقله بالمسكرات والخمور والمخدرات، وكم يصاحب ذلك من تدنٍ في الأخلاق وكم كانت هذه المسكرات سببا في ضياع الإرادة وفسادها، فكم من صالح وصالحة ارتكسا في الفساد بسبب تزيين رفاق السوء لهما تجربة المسكرات والمخدرات، أو ينقلب الناجح والمتفوق بسببها فاشلا، ويتحول الزوج او الزوجة بسببها من مخلص لخائن عربيد، أو تكون هذه المسكرات والمخدرات أداة لشراء ذمم المخلصين والشرفاء وإسقاطهم في الخيانة والعمالة للأعداء.
وقام بناء الشريعة على تحريم كل الأطعمة والأشربة الضارة بالبدن وتحريم كل سلوك مضر بالبدن أو الأخلاق، وكلما تقدمت مسيرة التاريخ والعلوم ظهر تجانس الأحكام الشرعية مع سنن الله عز وجل في الكون ونواميسه "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك: 14).
وقام بناء الشريعة الإسلامية على فرض شرائع تلبي أشواق الإنسان الداخلية وتشبع روحه العطشى وقلبه الحائر وتزود بدنه بمصالحه من حركة ونشاط واقتصاد في الأكل وما يلزمه أو امتناع مؤقت.
وجاءت الشريعة بالحث على كل مكارم الأخلاق وأرشدت لبناء منظومة مفاهيمية وعقدية متكاملة لا تناقض فيها ولا تضارب تكشف للمؤمن بها الصورة الكلية الحقيقية لهذا الوجود ومغزاه وماضيه ومستقبله.
إن تطبيق والتزام الشريعة الإسلامية -أفرادا ومجتمعات- هو الذي يحقق للبشرية جمعاء الوصول للتحقق بالإنسانية التامة، لأن التدين الصحيح بالإسلام هو الذي يحقق رعاية العقل وحمايته وبناء الإرادة وصيانتها وتنمية الأخلاق وتزكيتها والحفاظ على صحة الناس وأبدانهم بما لا يوجد في دين سواه.
والسبيل الوحيد لذلك هو تطبيق قوله تعالى: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير " (هود: 112).
فاستقيموا عباد الله على بصيرة وعلم.