أشعل مقطع فيديو يعتذر فيه الشيخ أبوإسحاق الحويني، أبرز الدعاة السلفيين في مصر عن بعض فتاواه وآرائه في السابق، الجدل في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ما بين مرحب باعتذاره، باعتباره "اعترافًا جريئًا بالأخطاء التي وقع فيها"، وبين رافض له، لكونه "جاء متأخرًا"، بعد أن تأثر بآرائه قطاع كبير من الشباب المنتمي للتيار السلفي في مصر على مدار سنوات طويلة.
وفي الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع، يظهر الحويني وسط مجموعة من تلاميذه وهو يخاطبهم معتذرًا عن أخطائه السابقة، قائلاً: "كل سُنة كنا نعرفها نعتقد أنها واجبة، ومكناش نعرف الفرق بين الواجب والمستحب، وإن فيه درجات في الأحكام الشريعة.. فعرفت أنه عندما لم ندرى تدرج الأحكام الشريعة كيف جنينا على الناس، لم نكن ندري درجات الأحكام الشرعية فأفسدنا كثيرًا بحماس الشباب".
وأبدى اعتذاره عن ذلك قائلاً: "نادم على بعض كتبي الأولى، تمنيت أن بعض الكتب تتأخر شوية، وكنت بقول لازم أجود وأحط البصمة بتاعتي، علشان أبين إننى إمام ومحقق كبير، وحاجات بستحي منها كتير، إذا كتبت كلمة في قرطاس خلاص راحت".
ومضى في اعتذاره قائلاً: "لا أنكر أني كنت متسرعًا، بحب الشهرة، طول ما أنا حي هصلح غلطي".
وفيما التزم الداعية الصمت، ولم يصدر منه تعليق حول الاعتذار المنسوب له، وملابساته، انبرى هيثم الحويني، نجل الداعية للدفاع عن والده، قائلاً إن المقطع الذي تناولته وسائل الإعلام على "أن الشيخ تراجع عن منهجه وطريقته" مقتطع من سياقه.
وشرح نجل الحويني عبر صفحه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ملابسات الاعتذار المنسوب لوالده، قائلاً إن "المقطع الأول: من عدة أشهر كان الشيخ ينصح طلبة العلم بعدم التصدر لدعوة الناس إلا بعد أن يتعمقوا في العلم، وضرب مثلًا بنفسه وهو شاب صغير دون العشرين سنة، وأن أهل قريته كانوا يُقيمون لصلاة المغرب بعد الأذان مباشرة، فلما قرأ حديث النبي ? : "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب"، فقال حفظه الله: ولم أنتبه إطلاقًا لقوله: "لمن شاء"، فأراد أن يُثبت هذه السنة كأمر واقع".
وأضاف:" فكان يقف في المحراب بعد الأذان مباشرة فيصلي السنة ويؤخر إقامة الصلاة محاولة منه لإفشاء هذه السنة في قريته، فقال الشيخ تعقيبًا على هذه القصة: لم أكن أراعي تدرج الأحكام الشرعية آنذاك -هذا وهو عمره دون العشرين سنة-".
وشن نجل الحويني، هجومًا على الذين تناولوا المقطع باعتباره اعتذارًا من والده عن أخطاء ارتكبها في السابق، ونعتهم بـ "المغرضين"، متهمًا إياهم ببتر الفيديو المتداول من المقطع وحذف ما قبله وما بعده "لخدم فكرته في الطعن على الشيخ وأنه يعلن خطأ منهجه!"
وأشار إلى أن المقطع الثاني المتداول للشيخ الحويني يرجع تاريخه إلى نحو سنتين، وذلك حينما كان يجلس مع الطلبة يعطيهم من خبرته، وينصحهم بالتريث وعدم التسرع في التصنيف، إلا بعد أن يشتد عودهم وتستوي ملكتهم، وضرب مثلًا بصنيعه في كتاب له كان قد صنفه في مقتبل عمره وهو دون الثلاثين عامًا، وهو كتاب "جُنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب"، الذي صنفه عام 1986م.
وذكر أنه "اعترض على الإمام علي بن المديني بطريقة لا تتناسب مع مكانة الإمام المديني، وأنه في أول أمره لم يكن يعرف قدر العلماء وكيفية مخاطبتهم، وأنه لم يرض بطبع هذا الكتاب بعد ذلك حتى يُصحح هذه العبارة ويعطي الإمام المديني حقه، بل لم يستنكف من ذكر الكلام في صفحات كتبه وعلى الملأ في محاضراته، ليُعلِّم الناشئة كيف يتحدثون مع العلماء ولو في حال النقد".
واعتبر نجل الحويني أن ما قاله والده هو "اعتذار عن طريقته التي نحاها يومئذ، وليس عن منهجه ولا عقيدته"، واصفًا والده بالشجاعة والنبل في التوضيح للناس شيئًا لم يُعرف عنه إلا منه.
وتساءل نجل الداعية: "هل صنيع الشيخ وتجرده للحق يُحمد عليه أم يُنتقد عليه؟"، متهمًا الذين هاجموا والده بأنهم "لم يقفوا على الكتاب ولا يعرفوه، إنما سمعوا كلامه واجتزؤوه ونشروه على أنه تراجع الشيخ عن منهجه ومسلكه".
ووضع كلامه في إطار "علميٌ وليس منهجيًا ولاعقائديًا"، قائلاً: "والأمورُ العلمية تُناقش بين أهل العلم وطلبته، والاعتذار ليس جارٍ على منهجه، وإنما على ما نص عليه من كتب أو مواقف فقط. فإذا تناول هذا الأمرَ جاهلٌ بهذا العلم فإنه يتخبط ويَضِلّ ويُضل".
وقال إن من أسماهم "المغرضون الكارهون للشيخ حرَّفوا كلامه واجتزؤوا حديثه، أحشفًا وسوء كيلة! ولكن كما قال الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقص ..فهي الشهادة لي بأني كامل".
واستشهد بالعديد من المواقف المشابهة للعلماء التي تراجعوا فيها عن آراء سابقة لهم، ومنهم الإمام ابن حزم، والإمام ابن حجر، والعلامة المحقق محمود محمد شاكر، قائلاً: "فاعتذارهم كاعتذار الشيخ الحويني؛ اعتذار عن خطأ محدد في موضع محدد في زمن محدد، وليس عن ما سوى ذلك. فإن كان ذلك مسوغًا للطعن، للزم هؤلاء الطعن في كل من سلف!".
ومضى إلى القول: "فإذا كان الشيخ قد اعتذر عن اجتهاد أصاب به أجرًا واحدًا. فمتى يعتذر الخائضون فيه بغير حق ولا برهان!".