الإثنين 23 ديسمبر 2024
توقيت مصر 03:06 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة

يا عزيزي.. كلنا دكاترة!

تكشف لنا الأزمات دوما أشياء صادمة لا تظهر في الظروف العادية، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في استشرائها على نحو يهدد المجتمع، وهذا ما رأيناه في أزمة الأطباء الذين يعتبرهم العالم المتحضر والعالم المتذيل خط الدفاع الأول في مواجهة الفيروس المميت.
نصبت لهم مشانق الاتهامات وفزاعة الانتماء إلى "الإخوان" بدلا من سماع شكواهم واستغاثاتهم لتحقيق مطالبهم العادلة في توفير الحماية لهم وأسرة مخصصة في مستشفيات العزل لمن يصاب عقب موت طبيب شاب أصيب بكورونا  ولم يتوفر له العلاج الفوري لإنقاذه، وأكدت تحقيقات وزارة الصحة شبهة الإهمال الذي تعرضت له حالته.
وإذا كانت بعض برامج التوك شو ساهمت في هذا الجنون، فإن السوشيال ميديا هبطت علينا بعواصف من اللا منطق واللا عقل، منها اعتبار تهديد الأطباء بالاستقالة هروبا من ميدان الحرب، وهناك من راح يفتش في الحسابات الشخصية على الفيسبوك للذين قضوا منهم بسبب الجائحة، وأحدهم الطبيب الشاب ، معتبرا أي انتقاد لتقصير ما، دليلا على إخوانيته، لا فرق ذلك بين أناس عاديين، وبين من نظنهم نخبة، حتى أن صحفية رفضت الترحم عليه لأنها قرأت انتقادا للدولة على صفحته، وحينما نبهها صاحب البوست أن الحساب الذي ذكرته ليس له وإنما لطبيب آخر، اكتفت بالقول إنها أخطأت في الاسم!
نشطاء آخرون اعتبروا أن "الدكاترة" لا أهمية لهم، يمكنك أن تسأل جوجل عن المرض والدواء، إضافة إلى أن بروتوكول العلاج موضوع سلفا من وزارة الصحة ومن منظمة الصحة العالمية.
أما العمليات الجراحية فيمكن أن يتعلموها من اليوتيوب، وعلى الدولة أن توفر مرتبات الأطباء وتقوي بها شبكة الانترنت!
تعليم شاق جدا وطويل في كليات الطب تم اختصاره في الفهلوة المصرية المعتادة، ويا عزيزي.. كلنا دكاترة!
المثير للشفقة وليس المرارة، أن اتهام "الأخونة"  طال مكتب التنسيق، الذي مكن هؤلاء الأطباء من دخول كليات الطب ابتداء، مع أنه لا يستطيع أحد التشكيك في عدالة مكتب التنسيق الذي يوجه الطلاب حسب مجاميعهم في الثانوية العامة، والتي تمثل كليات الطب أعلى هرم التفوق فيها.
ولم يبق إلا إتهام "التفوق" بأنه إخواني، لأن طلاب التسعة وتسعين في المائة فيما فوق، هم الذين يتاح لهم كليات الطب.
وتلك أزمة وعي إعلامي لم ينتبه أصحابها إلى الحفرة التي يضعون المجتمع فيها، فاستخدام الفزاعة أفقدها أي قيمة، وصارت هراء وهزلا، وتساهم في تحسين صورة الإخوان في العقل الجمعي.
اتهام الأخونة شمل نقابة الأطباء لموقفها المدافع عن حقوق أعضائها، رغم أن قياداتها من اليساريين الذين خرجوا في 30 يونيه ضد حكم الإخوان، ومنهم الدكتورة منى مينا التي اتهموها بداية بأنها إخوانية، وعندما وجدوا أن ذلك غير مستساغ لكونها مسيحية، برروا ذلك بأنها متزوجة من مسلم وهو المهندس سعيد أبو طالب، يساري معروف وذو علاقة وثيقة بكوادر شيوعية ومؤسس حزب العيش والحرية اليساري، وانخرط في التنظيمات اليسارية منذ كان طالبا في الجامعة.
هنا ينكشف لنا هزل استخدام فزاعة الإخوان لرمي المختلفين في الرأي وتخويف كل من يبدي رأيا مخالفا أو منتقدا أو حتى يطلب حقا طبيعيا كالذي رفعه الأطباء.
ومن الهزل أن تنشر صحيفة بروتوكول علاج لكورونا وضعه أستاذ في قسم الإعلام في جامعة إقليمية قال إنه اجتهد في جمعه، وأظن أن نشر الصحيفة له هو من باب النكاية في الأطباء.
لا أعرف ما هي المؤهلات الطبية التي تؤهل أستاذ إعلام لوضع بحث أو مقال يحوي أدوية صيدلانية لا يصح أخذها بدون إشراف الطبيب؟!
ويا عزيزي.. كلنا دكاترة.