الأحد 03 نوفمبر 2024
توقيت مصر 14:55 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

موت الحقيقة!!

صدر حديثا  في الولايات المتحدة الأمريكية كتاب بعنوان موت الحقيقة : ملحوظات على التزييف في عصر ترامب ، The  Death of  Truth: Notes on Falsehood in  the Age of Trump  للكاتبة  والناقدة الأمريكية  من أصل ياباني ميتشيكو كاكوتاني MichiKo Kakutani   والذي تحذر فيه من انهيار منظومة القيم الثقافية و الديمقراطية  في عالم ما بعد الحداتثة  Postmodernism  و هي الموجة التي اجتاحت جامعات الولايات المتحدة في الثمانينيات  وخصوصا مع انتشار كتابات المفكرين الفرنسيين جاك دريداJacques Derida وجان بودريار Jean Baudrillard   و ليوتار Leotard  ، وعلى الرغم من أن ترمب لا يمكن أن يكون قرأ لواحد من هؤلاء ، فإن أفكارهم التفكيكية ق تسللت إلى الثقافة الشعبية و العامة ، وتم اختطافها والسطو عليها من قبل المدافعين عن ترامب . وقد أدت أفكار ما بعد الحداثة  في الفن و الأدب  كما -تقول كاكوتاني- إلى رؤية جديدة في  التاريخ و العلوم الاجتماعية و العلوم الطبيعية  . وقد اعتمدت استراتيجياتهم على استغلال الميديا و أفلام الخيال العلمي للترويج للحقائق البديلة Alternate Facts  . وتحذر الكاتبة من المنحى الذي  تتجه إليه إدارة ترامب في وتقارن هذه الحقبة في تاريخ الولايات المتحدة بالحكم الشمولي  النازي في عهد هتلر وكذلك لينين ، كما أنها تتعرض أيضا لدور روسيا المشبوه في التأثير على الانتخابات الأمريكية ، والتشابه بين بوتين وترامب في استغلال فكرة البروباجندا في الترويج لأفكارهم الفوضوية . ولا تنسى الكاتبة أن تشير إلى بعض مستشاري ترامب ، ومنهم ستيف بانون صاحب الأفكار العنصرية المتطرفة ضد السود والمهاجرين ، والذي كان ينادي (بتفكيك ) الدولة الإدارية . وبانون من الذين يتبنون أيدلوجيات فوضوية ، ويعتبر أن أخطر ما يواجه الولايات المتحدة ليس هو (الحزب الديمقراطي) ، ولكنها (الصحافة  و الإعلام بشكل عام و النخبة) التي (لا تفهم لماذا تم انتخاب ترامب). ومن الواضح أن الأيدلوجية المتطرفة التي يتبناها ترامب و مساعدوه ، لا تقف عند حدود الولايات المتحدة الأمريكية فقط ، بل تمتد لتشمل الكثير من دول العالم ، ولذلك ليس مصادفة ما يحدث الآن في الشرق الأوسط بغطاء أمريكي ، وتحدي سافر للقوانين و الأعراف الدولية ، كنقل سفارة الكيان الصهيوني إلى القدس ، والترويج لصفقة القرن ، ونشر الفوضى في العالم العربي . وتشير المؤلفة إلى أن الرئيس ترامب في حواراته و لقاءاته التليفزيونية ، يعيد تشغيل اللقاء قبل إذاعته في الوضع الصامت (mute)   لكي يرى حركاته و تأثيره المرئي ، فليس مهما ما يقال ، بل المهم هو التأثير و البروباجندا ، ولذلك فإن الكاتبة أيضا تشعر بقلق كبير من التطور التكنولوجي الهائل ، وما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي ، من نشر للثقافة الشعبية وتراجع ثقافة النخبة ، ما أدى إلى تغير كثير من المفاهيم . و في النهاية فإن الكتاب يعد واحدا من الكتب المثيرة للجدل في الآونة الأخيرة ، وسوف يتفق القاريء في كثير من الأفكار مع المؤلفة ، لكنه أيضا ربما يختلف معها في أفكار أخرى ، ومنها دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تعاملت معها الكاتبة بشكل سلبي ، لكننا نرى أن دور وسائل التواصل الاجتماعي يمثل طفرة مهمة في مواجهة الإعلام الموجه والذي يدار للترويج لأفكار ومصالح جهات معينة . إن دخول الإعلام الشعبي إلى حلبة المنافسة ، قلب معادلة الإعلام  الموجه رأسا على عقب ، وأتاح الفرصة للصوت الشعبي الحقيقي أن يعبر عن طموحات وآمال الجماهير .