الأحد، 22-03-2020
01:59 ص
د. هشام الحمامي
شيئا ما سيحدث وأن ما سيحدث لن يكون شيئا يحمل الخير..هكذا يقول الناس للناس ..فما نراه أمامنا أننا نعيش الأن فى أتون (صراع كبير) وان هذا الصراع لايمكن ان يكون شيئا اخرغير(الحياة البشرية)نفسها .. نعم .. وما تقوله تقارير منظمة الصحة الدولية وكل مراكز الابحاث والدراسات التى تبحث فى المستقبل وتوقعاته تشير الى ذلك ,, ما يدعو الى الدهشة أن العالم كله كان ينتظر(أزمة)ستحدث فى 2020م ولكنها كان تدور فى حدود العادى من الأزمات المالية وأزمات الركود والكساد كالتى كانت تحدث سابقا ( كساد 1930 الذى كان مقدمة طبيعية للحرب العالمية الثانية /الاثنين الأسود فى عام 1987 /أزمة 1997 و2008).
****
لكن المفاجأة التى كانت مذهلة ومرعبة هو أن تلك الأزمات الماليه وغيرها ماهى إلا عرضا واحدا من حزمة (جائحة)مزلزلة تهز العالم الحديث هزا ..عالم (الفيس وتويتر والواتساب والأى فون والاندرويد وطائرات الدرونز)..متغيرات كبرى ستلحق بعالم (ما بعد كورونا )ستزعزع ركائز النظام العالمى الراهن من جذوره.. (فكريا وسياسيا واقتصاديا وإداريا)وستفتح الباب فسيحا فسحا فسوحا لنظام دولي جديد(جائح)كما جاءت به (الجائحة) الكورونية ..هذا النظام غير القادرعلى مواجهة تداعيات كورونا وما بعد كورونا..هناك شك حول مدى توافر هذه القدرات للدول المتقدمة أصلا.. إيطاليا تعاني الموت اليومي وكذلك إسبانيا وفرنسا .. ميركل ترى فيه أكبر تحدي لألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية ..أوروبا كلها تعيش في ذعر حقيقى.
****
مجرد مقدمة فقط هو ما ظهر حتى الأن من نتائج تشير الى كارثة اقتصادية عالمية قادمة..حيث الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ..أغلب الاقتصاديين يقولون(نأمل فيما هو أفضل..وتوقعوا ماهو أسوأ)وحتى فى حالة اكتشاف لقاح لكورونا سيحتاج الاقتصاد العالمي وقتا طويلا للخروج من أثار كورونا.
(أزمة فيروسات كورونا هي أبعد ما تكون عن نهايتها) هكذا قال أحد علماء الكمبيوتر الأمريكيين والذى قال أيضا :من أصعب الأشياء التي يمكن للعقل البشري أن يدركها هي(قوة التسارع) لهذا الوباء ..هو شيء يستمر في التضاعف بلا توقف ولا يستطيع الدماغ أن يقدر مدى السرعة التي يمكن أن ينفجر بها هذا التسارع.
5000 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس في أميركا قد تصبح مليون حالة إذا لم نطبق عليها الإغلاق فوراً.
القطاع الصحي فى العالم كله لم يكن مستعدا لمواجة هذا الوباء.. تقارير دولية صدرت قبل انتشار الفيروس كانت تقول صراحة: (العالم فى خطر)وتحدثت بوضوح عن أن القطاع الصحى العالمى غير جاهز للتعامل بالكفاءة المطلوبة مع الأزمات بالرغم مما حدث على مدار السنوات الأخيرة من حالات مشابهة كإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرهما.
طبيب أمريكي أعطى مثالا خطيرا عن واقع العاملين في (القطاع الصحى)بالعالم كله أمام كورونا ..ووصفهم بأنهم كمن يحسن التحكم بقيادة السفينة خلال العواصف..لكنهم غير قادرين على التحكم في سرعة الريح وحركة الأمواج .. وباء كورونا أشبه بالأمواج العاتية التي تهدد السفينة ومن عليها.
****
ثلاثة أشهر فقط فرضت تغييرا جذريا لحياة البشرعلى الأرض و الذين كانوا يعيشون كـ (القرية الصغيرة) المفتوحة .. وإذا به يتحول بين عشية وضحاها الى (كانتونات مغلقة)محاطة بالابراج والحواجز تفوح منها روائح الخوف.. سكانها أشبه برواد فضاء.
لكن من المهم هنا التوقف عند حقيقة مهمة وهى(عدم حتمية الموت)لمن يصيبهم هذا الوباء ..وأن العلاج الفورى يؤدى إلى شفاء العديد ممن تعرضوا للإصابة ..هكذا قال تقرير نشرته جامعة(جون هوبكنز) والذي ينشر إحصاءات يومية موثقة بعدد المصابين فى العالم وبمن جرى النجاح في علاجهم وذكر أن حوالي 182 ألف مصاب بالوباء توفي منهم حوالي 7 آلاف .. وشفي منهم حوالي 80 ألفا و الباقي تحت العلاج.
من حقنا أن نخاف ..كل إنسان في أي مكان بالعالم اليوم من حقه أن يخاف هذا الوباء المجهول الذى نجهل مصدره وكيفية علاجه .. لكن خطأ كبيرا أن ننحدر الى هاوية الهلع والفزع واليأس والقنوط من رحمة الله فغير أن هذا ليس من الإيمان ..إلا أنه أيضا لن يفيد أبدا فى مواجهة الوباء.. فقط سيزيد من ضعف المناعة ..ذلك الدرع الهام الذى يحمي الناس..و بمقدار تعزيز قوة المناعة والالتزام بإرشادات الصحة والنظافة في السلوك اليومي مع أنفسنا ومع الآخرين بمقدار ما نستطيع ان نحمى انفسنا ونحمى أحبابنا من هذا الوباء .. مصر من أكثر الدول التى تمتلك قاعدة واسعة فى(الرعاية الصحية) تصلح للبناء عليها وتتمثل فى الانتشار الكثيف للوحدات الصحية .. لدينا وحدة صحية كل 2 كيلومتر فى المتوسط.. كما قال محمود محى الدين نائب رئيس البنك الدولى.
****
(ما بعد كورونا) سيكون قفزة كبيرة للبشرية فوق (الصنم)الأمريكي والغربي بوصفه المتقدم والمسيطرعلى العالم..توماس فريدمان الصحفى الأمريكى الشهر كتب الاسبوع الماضى فى النيويورك تايمز قائلا: أن ما بعد كورونا لن يكون كقبل كورونا وسٌيجبر المجتمع الامريكى على تغيير ثقافته وسياسته .
دعونا نفخر بانتمائنا لثقافة وسلوك تحض وتأمر بالنظافة الشخصية _ أهم دروع الوقاية من هذا الوباء_ ليس هذا فقط بل وتعتبرها(عبادة) .