الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 17:11 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة

مع مغتصبات الحروب (1)

شهادات المغتصبات.. موضوع الحلقة الثانية من سلسلة كتبتها من البوسنة والهرسك عام 1993 ونشرت هذه الحلقة في 23 أبريل من تلك السنة في جريدة "المسلمون" الدولية وكانت في ذلك الزمن ذات انتشار كبير، يضاهي انتشار بعض القنوات الإخبارية الفضائية التي ظهرت فيما بعد.
تصدر التقرير صورتا طفلين جميلين مبتسمين كأنهما ينظران لمستقبل مشرق، فهما لا يعلمان بطبيعة الحال أنهما نتاج أبشع أعمال الحروب القذرة.. الاغتصاب.
ماذا صار الطفلان الآن واللذان كانا تحت رعاية هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية؟.. الله أعلم. إنما الذي عرفته وعرفه العالم وقتها أن مثلهما آلاف الأطفال الآخرين الذين لا نعلم عنهما شيئا مطلقا، تاهوا ودفنوا في بئر النسيان.
في لوبيليانا عاصمة سيلوفينيا، التقيت بنائب رئيس البوسنة والهرسك في تلك المرحلة، الدكتور أيوب جانتيش، فرفض أقاويل كانت تتناثر في الصحافة الغربية بأن الاغتصاب في حرب البوسنة والهرسك عمليات فردية، حتى أن وكالات الأنباء أبرزت خبر القبض على اثنين من الشتنيك وهو الاسم الذي كان يطلق على العصابات الصربية، بتهمة اغتصاب النساء، وسألني يومها مستغربا: كيف يمكن إضفاء صفة الفردية على حوادث ضحاياها عشرات الآلاف من الفتيات والنساء؟!
السؤال الاستنكاري والدهشة لقيتهما أيضا من الإمام البوسني ابن سراييفو الشيخ جمال عثمان والذي حدد الرقم بـ 60 ألف مغتصبة قائلا إنها كارثة مجتمع، أكبر ما يعتز به هو شرف نسائه.
في معسكر تابع للصليب الأحمر الداينماركي داخل البوسنة والهرسك وجدت رجلا مسلما يقبع في غرفة مكتظة باللاجئين، كسير النفس، أصابته الكهولة رغم أنه في الثلاثينيات، كان يشارك في الحرب، لكنه رمى سلاحه وعاد حزينا مهموما بعد أن علم باغتصاب زوجته لمدة شهرين كاملين.
هذه الموضوعات لبشاعتها لم تكن تستهويني كثيرا رغم أنها كانت خبرا متداولا بنتائجها الكارثية المتمثلة في حالات حمل كثيرة بشعة وذات أثار نفسية وإجتماعية ودينية كبيرة، وأتذكر أن شيوخا كبارا أدلوا بدلوهم لعلاج ذلك ومنهم الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله، لأن الحوامل وأسرهن كان يبحثون عن فتوى، تجيز التخلص من الجنين أو الاحتفاظ به.
مسألة وجدتها شاقة أن أخوض فيها وأقابل ضحاياها، لكن المحامية ياسمينا يليتش من سراييفو، وكانت أمينة سر مرحمة مدينة سبليت، وهي مدينة ساحلية كرواتية، أقنعتني بعد مناقشة طويلة في مكتبها أن أتناول هذا الموضوع، ووقعت أمامها على إقرار أنا والزميل الأستاذ محمد خضر، الصحفي بجريدة المدينة السعودية، بمسؤوليتنا عن أنفسنا تماما لأننا كنا ذاهبين إلى داخل مناطق الخطر في البوسنة. وبعد أن غادرناها وفي الطريق أوقف كمين من الكروات الزميل خضر وأنزله من السيارة وكاد يعتقله شكا في هويته، ولكن الله سلم بعد جدال طويل معهم بواسطة أحد المرافقين من طرف ياسمينا.
ياسمينا قالت إنها أجرت مقابلات مع أعداد كبيرة من المغتصبات، وأن مستشفيات كرواتيا استقبلت حتى أول أبريل 1993 نحو 15 ألف طفل اغتصاب، وأن أمهات سلمن للملاجئ التابعة لمنظمة كاريتاس 5 آلاف طفل يخضعون للرعاية الكاملة، وقد اختفت أمهاتهم عن العيون وقطعن صلتهن بهم تماما.
ومما ذكرته ياسمينا أن 20 ألف أسرة بوسنية هاجرت مباشرة من كرواتيا إلى دول أوروبية أخرى وخاصة سويسرا وألمانيا، وقيل إن معظمهن كانت بادية عليهن علامات الحمل، وبعضهن في الشهور الأخيرة، وتم اخفاء عناوينهن الجديدة بناء على رغبتهن، وقطعن أي اتصال بالأهل والأزواج لسوء حالاتهن النفسية.
وللحديث بقية...