الجمعة 22 نوفمبر 2024
توقيت مصر 15:27 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

لماذا نجحت السعودية وفشلت إيران؟!

الاستجابة السعودية لوباء كورونا ببعدها الديني تتباين بشكل حاد عن استجابة إيران، خصمها اللدود. ربما بدت الخطوة السعودية التي قضت بإغلاق مكة والمدينة في أواخر شباط/فبراير متسرّعة للوهلة الأولى، مع أن الحرمين الشريفين أُقفلا مراراً في السابق خلال الحروب والسيول والأوبئة. لكن، عند مقارنتها مع استجابة الجمهورية الإسلامية، يتّضح أن تأخر إيران في إغلاق مدينة قم المقدّسة حوّلها إلى بؤرة لتفشّي الفيروس، وأثار انتقادات واسعة.
لم تكن حماسة إيران الإيديولوجية بعدم إغلاق مقاماتها الدينية، العامل الوحيد الذي أسفر عن بطء استجابتها الأولية لفيروس كورونا، إذ لعبت الاعتبارات السياسية والاقتصادية دوراً أيضاً. فالسلطات الإيرانية كانت تتعامل مع ناخبين يشعرون بخيبة أمل، وكانت تخشى اتّخاذ إجراءات من شأنها خفض نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 21 شباط/فبراير. تفاقمت هذه المخاوف بفعل الضغوط المتمثّلة في ضرورة الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الصينيين. فقد كان إلغاء الرحلات من الصين يبدو تحديًا أمام هذه العلاقة التجارية الأساسية، بالتزامن مع اشتداد وطأة العقوبات الأميركية المفروضة على طهران. وفي خطوة أخرى مدفوعة سياسياً، قرّرت قوات حرس الثورة الإسلامية النهوض بالتحدي المُحدق بالصحة العامة، بدل تكليف وزارة الصحة بذلك. وكان رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني حسين طائب قد رفض إغلاق مدينة قم، التي وصفها بأنها "شرف الإسلام"، إلى أن خرج تفشّي الفيروس عن نطاق السيطرة، ولم يبقَ أمامه خيارٌ آخر. على النقيض، لا الجيش السعودي ولا رجال الدين في المملكة يتمتعون بمثل هذه الصلاحيات الواسعة، ما ترك هذه القرارات في أيدي الحكومة وخبراء الصحة العامة.
سياسة إيران الأولية تجاه المقامات الدينية كانت مدفوعة باعتبارات إيديولوجية واقتصادية، فيما ركّزت السعودية بشكل مباشر على مخاطر الوباء. إذاً، ومع أن البَلَدان وضعا قاصدي الحج والزيارة في صُلب أولوياتهما، إلا أن كلّاً منهما سعى إلى تحقيق توازن مختلف بين التديّن من جهة والصحة العامة من جهة أخرى. وجاءت الإجراءات السعودية جزئياً كردّ فعل على التداعيات التي نجمت عن تراخي إجراءات إيران ومواصلتها السماح بزيارة المقامات الدينية، وتبنّت استراتيجية احتواء متشددّة. فكانت مقاربة المملكة أكثر نجاحاً، إذ أتاحت شراء الوقت الكافي لتهيئة المواطنين السعوديين، ما شكّل تبايناً إيجابياً مقارنةً مع خصمها الإقليمي.
استفادت السعودية من النفوذ الكبير الذي تتمتع به الحكومة على مؤسسات دينية مثل هيئة كبار العلماء التي يترأسها المفتي، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ووزارة الحج والعمرة، ورابطة العالم الإسلامي التي تموّلها المملكة، والشرطة الدينية السعودية (المعروفة بـ"الهيئة"). وقد حظيت القرارات السريعة التي اتّخذتها الدولة لمواجهة تفشّي وباء كورونا في الغالب بترحيب المواطنين ووسائل الإعلام في آن، وعزّزت سلطة الملك وولي العهد. لكن الاستمرار في إغلاق المساجد خلال رمضان واحتمال إلغاء موسم الحج المتوقع في تموز/يوليو – وهذه ستكون مرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ انتشار الطاعون الدبلي في العام 1814 - قد يشكّلان امتحاناً لمدى القبول الذي تحظى به السياسة العامة للدولة من قِبل عامة المواطنين من جهة، والمؤسسات الدينية في المملكة من جهة أخرى. إن تحقيق التوازن بين الصحة العامة، وممارسة الفرائض الدينية، والطموحات الاقتصادية ليس مهمةً سهلة إطلاقاً، ولا شك أن الخطوات التي ستتخذها المملكة في المُقبل من الأشهر ستكون محط الأنظار.

* جزء من المقال.. نقلا عن مركز كارينجي لدراسات الشرق الأوسط
*  تم تعديل العنوان ليكون مناسبا للجزء المستقطع من المقال