الخميس، 24-12-2020
01:44 م
لحظة مرعبة أن أجد نفسي فجأة وبلا أي إستعداد متحدثا في
مسجد كبير مزدحم بالبشر، وليست الخطابة صنعتي.
والمرعب أكثر أنني بين مجموعة
علماء و
خطباء منابر متمكنين من أدواتهم.
أما قمة الرعب فهو أنني في
اليمن، حيث العلم، والقرآن و
السنة المستقران في الصدور، وحيث الحكمة يمانية.
في بيته بأحد أحياء صنعاء استقبلني الداعية
اليمني الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وقد زرت بيته مرات عدة كلما مررت على
اليمن، وكانت زيارات سهلة وبسيطة، فهو داعية متعمق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و
السنة النبوية، وأسس جامعة الإيمان في صنعاء، وكذلك أسس في مكة المكرمة هيئة الإعجاز العلمي في القرآن و
السنة التي تميزت بمؤتمراتها الدولية وأبحاثها. أحد هذه المؤتمرات عقد في القاهرة في مطلع الثمانينات، ربما عام 1984، وهو أول مؤتمر أقوم بتغطيته للصفحة الدينية التي كان يشرف عليها المرحوم عبداللطيف فايد في جريدة الجمهورية، وكانت تغطية مميزة، نجمها الذي لفت الأنظار بعلمه ومحاضراته هو عبدالمجيد الزنداني وكان جديدا على أضواء الإعلام.
لم أكن أعرفه أو قرأت عنه، فعرفني عليه الدكتور محمد حسن الحفناوي عالم الأمراض الجلدية ونجل الدكتور حسن الحفناوي أبرز
علماء العالم في هذا المجال والذي كان متزوجا من السيدة أم كلثوم ورحل عن عالمنا عام1986 في الواحد والسبعين من عمره.
وقتها نشرت للزنداني حوارا على صفحة كاملة في الجمهورية وضع عناوينه ومقدمته بمهارته وحرفيته وعمقه الديني والعلمي الأستاذ عبداللطيف فايد، مما كان له مفعول السحر على رد فعل الشيخ الزنداني.
في كل مرة زرت فيها بيت الزنداني في صنعاء، كان الأمر يتم بسهولة، يفتح أحدهم الباب، وأدلف بسهولة إلى صالة الضيوف. لكن في المرة الأخيرة مررت على نقطة تفتيش تتقدم بيته بعدة أمتار، حيث تم تفتيشي بدقة. ما الجديد؟!
سألت عن ذلك الشيخ الزنداني.. فقال ضاحكا لحراسه: "انتو فتشتوه"!!
سبب التحول في رأيي أنه أصبح رئيس مجلس شورى التجمع
اليمني للإصلاح، وهو حزب لعب دورا بارزا في تطورات
اليمن في العقود الثلاثة الأخيرة، وكان الزنداني مطلوبا للحوثيين، ومطلوبا أيضا للاعتقال للأمريكيين بتهمة الإرهاب، وهي تهمة لا تقوم على وقائع، وإنما على سابق ذهابه إلى أفغانستان أيام مرحلة الجهاد ضد السوفييت.
بعد مداهمة الحوثيين لصنعاء فتشوا بيته لاعتقاله لكنه نجح في الخروج مع أسرته إلى السعودية التي أقام فيها عدة سنوات.
في ال
مسجد تحدث الزنداني عن القائد الروسي في جبهة جلال أباد الأفغانية والذي اعتنق الإسلام. بعد أن انتهى همست له: لقد قابلته منذ مدة في مدينة ألما آتا، وكانت وقتئذ عاصمة لجمهورية قزقستان، إحدى الجمهوريات السوفيتية السابقة، قدمني إليه مفتي الجمهورية الشيخ محمد حسين، فقد أصبح مؤذنا ل
مسجد.
اندهش الزنداني وأمسك الميكرفون وقدمني لأتحدث عن هذه الواقعة العجيبة.
كانت ورطة. أنا صحفي ولست خطيبا . وأنا غير يمني، وقد يكون ذلك مخالفة قانونية.
تكلمت كلمات قصيرة لمحت خلالها لصا يسرق حذائي الثمين. كنت قادما من باكستان وهناك مررت على روالبندي قرب إسلام آباد واشتريت حذاء قيما.
كدت أصرخ وأنا أخطب: حذائي امسكوا الحرامي ولكني أمسكت عن ذلك.
أنهيت كلمتي سريعا ثم همست للشيخ الزنداني: حذائي سرقوه.
بالطبع تمكن الحرامي من الفرار . وخرجت في صحبة الزنداني ببدلة أنيقة وربطة عنق وقدمين حافيتين. مررنا على محل أحذية في شارع جمال عبدالناصر حيث اشتريت حذاء بديلا. خلال إجازتي بمصر خلعته على مدخل باب شقتي فسرقه الزبال عند مروره صباحا فيما يبدو.