الثلاثاء، 17-11-2020
08:18 م
نشرت المصري اليوم خبرا تضمن أن مجلس إدارتها بصدد دراسة التحول الرقمي. لم أفهم هل المقصود أن طبعتها الورقية ستتوقف وستحذو حذو صحف كبيرة في
الغرب سلكت تلك الخطوة بشجاعة وحققت نجاحا باهرا.
عندما تأسست هذه
الجريدة على يد الصحفي الأهرامي الكبير الأستاذ أنور الهواري، فجرت ثورة لم تدم طويلا في شكل ومضمون
الصحافة المصرية اللذين لم يتطورا منذ ظهور جريدة الأخبار على يد الأخوين علي ومصطفى أمين، ولو قدر للهواري الاستمرار في قيادتها سنتين أخريين لكان حال
الصحافة المصرية اليوم مختلفا ولكان العاملون فيها أقل عوزا مما هم عليه الآن.
إبداع قيادات أي
صحيفة وقدرتهم على التمسك باستقلاليتهم التحريرية ، تصنع النجاح والتطور، وتحول محرريها إلى شعلة لا تنطفئ من العصف الذهني، ولو كانت المصري اليوم جادة فعلا في التحول الرقمي الشامل، فإنها ستصنع الفارق للصحافة المصرية ولصحفييها. ستقتفي أثرها صحف أخرى، وسيتم التركيز على المواهب الجديدة الأكثر قدرة على التعامل مع التكنولوجيا الرقمية.
هنا استعيد تجربتي في قناة
العربية، كنت أعتمد على
الشباب حديثي التخرج من
الكليات التي تدرس باللغة الإنجليزية، ولم أكن اهتم بسيرتهم الذاتية التي يقدمها أصحابها لاقتناص فرصة عمل، قدر اهتمامي بفهمهم وممارستهم للتكنولوجيا الرقمية و
السوشيال ميديا.
وبعد تدريبات مكثفة على الأصول المهنية والتحرير الصحفي، أطلقت يدهم في موقع القناة الإلكتروني ، فقدموا توليفة ناجحة تفوقت على غيرها من المواقع المنافسة وأبرزها موقع الجزيرة وحققت مشاهدات عالية جدا مما نسميه الترافيك، وكانوا يتنافسون على الزيادة في كل إحصاء أسبوعي نتلقاه من الجهة المتخصصة في ذلك.
وللحق كان وراء هذه الكفاءة، الحرية في إدارة الموقع تحريريا بلا حدود التي منحها لي مدير عام القناة الأستاذ عبدالرحمن الراشد، والمشرف على موقع
العربية نت الأستاذ داود الشريان.
كان الراشد يكتفي بالاحتجاج على محتوى لايعجبه أو سياسة تحريرية يراها تتناقض مع سياسة القناة الأم.
وقد حدث ذلك عندما اتبعنا أسلوبا مختلفا في تغطية الربيع العربي من أول يوم في تونس ثم مصر، وجاءني يوما صارخا وهو ينقل لي تهديد خادم الحرمين الملك عبدالله عليه رحمة الله بغلق القناة، لكنه لم يفعل أكثر من ذلك الاحتجاج الغاضب مع أنه كان يستطيع بكل سهولة تفنيشي.
ويبدو أنه ظل يقاوم الضغوط الشديدة حتى أوائل 2013 ، ولم يستطع أكثر من ذلك، وحينها صمم على أن تكون استقالة مني وأن ينتظروا حتى يعود إلى دبي من خارج الإمارات وقتها ليحدد بنفسه التعويض المناسب وقد تحقق ذلك. أرادها رسالة غير مباشرة بأن لقمة العيش لا يجب أن تتضرر من رغبة الصحفي في المبادرة والاجتهاد خارج الصندوق.
نعم ليس في الإمكان في عالمنا العربي أكثر من ذلك، لكن يستطيع مسؤول أو رئيس التحرير أن يزيد من مساحة الإمكان أو الممكن بذكائه وشجاعته والابتعاد عن المشي بجانب الحيط وبهذا يحفز مرءوسيه على الإجادة فتكسب
صحيفةهم الرقمية مزيدا من المتابعين والترافيك والإعلانات وقد فعلنا ذلك بنجاح خلال الفترة التي أدرت فيها
العربية نت.
في حفل عام لمجموعة mbc تحدث المدير الانجليزي عن هذا النجاح وكيف استطاعت
العربية نت أن تحقق مشاهدات أسطورية لصفحاتها بلغت الملايين. كان السر الأكبر هو نزع اللجام الذي يقيد إبداع الصحفيين ويحولهم إلى موظفين.
الطبعات الورقية اليومية في مصر اختصرت صفحاتها بين 8 صفحات لجريدة الوطن و16 صفحة لأعرقها تاريخا ومكانة “ الأهرام" ورغم التقليص ستظل تخسر ما لم تتحول إلى التكنولجيا الرقمية بدون لجام يقيد حيوية الأحصنة وقدرتها على المنافسة في محتوى الخبر والرأي.