الأربعاء 08 مايو 2024
توقيت مصر 07:07 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

سد النهضة والنهر .. سأحكى لك ما شجانى

يوم السبت 30/1 صرحت إثيوبيا أن مصر والسودان تقومان بـ(تعطيل)مفاوضات سد النهضة .. هكذا قال وزير الرى الاثيوبى(بيكيلى) والذى جزم و قطع ووصل في حديثه بعدم حدوث حرب بسببه .. إسرائيل كما كانت وراء بناء السد كفكرة وتنفيذ هى التى ستقوم بإدارة مشروعات الكهرباء الناتجة عنه والتى تعد الهدف الرئيسى من إنشائه.. الأن رائحة إسرائيل تطل علينا أيضا في المفاوضات.. فمفاوضات الـ (مالا نهاية) نهج إسرائيلي بإمتياز..هى نفذته باحتراف وصبر وقت أن كان هناك صراع عربى إسرائيلي  حول فلسطين والقدس .. ولم تعد الأن في حاجة إليه.. لعدم حاجتها للتفاوض من الأساس..فهي تفعل ما تريد دون أي اعتبار لأى رد فعل من أي طرف.. 

مصر كانت قد أعلنت أن الاجتماع السداسي الذي عقد الأربعاء 10 يناير لبحث الموضوع أنه قد أخفق إخفاقا خفيقا في تحقيق أي تقدم .. السودان بدأت تشعر باقتراب فيليب من الأبواب بعد أن كانت قد صدرت عنها بعض  التواشيح السياسية المبهمة ..إذ قالت لا يمكن الاستمرار في هذه (الدائرة المفرغة) من المباحثات الدائرية إلى ما لا نهاية .. هناك تهديد مباشر لسد النهضة على خزان (الروصيرص) .. هذا الخزان على فكره سعته التخزينية أقل فقط 10% من سعة سد النهضة

وزير الري الأسبق م/نصر الدين علام  قال أن اتحاد مصر والسودان هو السبيل الوحيد لحل أزمة سد النهضة وأن هدف إثيوبيا الأساسي(كسب الوقت)وعدم الوصول لحلول أو اتفاقات .. من اليوم الأول لبدء المفاوضات سمعنا الدكتور نادر نور الدين خبير المياه المعروف يقول أن أثيوبيا ستلجأ لعامل الوقت والمماطلة وستطلب التفاوض مع مصر بعيدا عن القانون أو عن الوساطة الدوليةوأن تفرض قانون(الأمر الواقع )وتفرض (السيادة المطلقة ) على مياه النيل الأزرق . 

**** 

سيكون هاما أن نعرف أنه في شهر مايو 2010 تم توقيع اتفاقية بين 4 دول(إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا) من دول حوض نهر النيل في مدينة عنتيبي  الأوغندية,, تم ذلك في في غياب دولتي المصب (مصر والسودان) ممثلو إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا  وقعوا بالأحرف الأولى على الاتفاق..كينيا لم توقع لكنها أيدت الاتفاقية وليحضرمندوبا الكونغو وبوروندي. 

من عام 2000م  وملف إعادة تقسيم المياه بين الدول التسع التي يمر عبرها النهر.. يتم الحديث عنه ,, كينيا لم توقع لكنها أيدت الاتفاقية وليحضرمندوبا الكونغو وبوروندي. 

الاتفاق القائم قبل تلك الاتفاقية كان يقضى بتقاسم مياه النيل بالاتفاق الذى تم عام 1929 م بين مصر وبريطانيا وتمت مراجعته عام 1959م .. ويمنح هذا الاتفاق مصر حصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا والسودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل .. وهم يقولون أن هذه الاتفاقية تعتبر البداية الفعلية لأزمة (سد النهضة). 

الجمعية العامة للأمم المتحدة  أصدرت عام 1997م قانون الأنهار الدولية العابرة للحدود لتنظيم العلاقة بين الدول المتشاركة في النهر_ أى نهر _والذي أصبح ملزما منذ عام 2007 م ,, هذا القانون يمنع دول المنابع من إقامة سدود عملاقة حتى لا تضر الدول التي تليها في النهر ودول المصب ,, وألزم الدولة التي تقيم سدا على نهرعابر للحدود أن تجري أولا دراسات بيئية وهيدرولوجية واجتماعية واقتصادية ,, لكن إثيوبيا أقامت السد أولا بلا دراسات ثم طلبت من مصر والسودان الدفع لعمل الدراسات عن طريق مكتب استشاري ثم ألغت عمل المكتب الاستشاري حتى لا يكون شاهدا على الأضرار التي قد تقع. 

*** 

لكن الحكاية فيما يبدو لها قصة والقصة لها حدوته كما يقول المصريون,, ذلك أن أمريكا تلقت طلبا من إثيوبيا عام 1957م للقيام بدراسة شاملة لحوض النيل الأزرق وقت بناء السد العالي ,,  وبالفعل بدأت الدراسات حول الموضوع و التى انتهت بتقديم تقريراً شاملاً عن الهيدرولوجيا ونوعية المياه /شكل سطح الأرض/ الجيولوجيا والموارد المعدنية/ المياه الجوفية/استخدام الأرض وأخيراً الحالة الاجتماعية والاقتصادية لحوالي 25 حوض فرعي ,, وأعلنت الدراسة ونشرت فى 7 مجلدات عام 1964م بعنوان(الموارد الأرضية والمائية للنيل الأزرق)  

وقام المكتب الأمريكي بتحديد 26 موقعا تصلح لإنشاء السدود, أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق الرئيسي: كارادوبي/ مابيل/ مانديا/ وسد الحدود(النهضة) بإجمالي قدرة تخزين 81 مليار م³ وهو ما يعادل جملة الإيراد السنوي للنيل الأزرق مرة ونصف تقريباً. 

*** 

لكن إثيوبيا  وبنًفًس عدائى مبكر أعلنت عن عزمها إنشاء سد الحدود(النهضة) على النيل الأزرق على بعد 20-40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليار م وإسناده إلى شركة (ساليني) الإيطالية بالأمر المباشر والتى أعلنت أنها غير مسئولة عن أى مشاكل فى المشروع بعد تسليمه ( معامل الأمان فيه أقل من المطلوب هندسيا) ..  

مصر لا تعترض على مصالح أحد .. لكنها ترى أن المدى الزمني المناسب لعملية بملء خزان السد يجب ألا يقل عن 6 سنوات .. وأثيوبيا تصر على 3 سنوات (خلال فترة الملء ستقل حصة مصر والسودان من المياه بمعدل 24 مليار م مكعب ).. الأمر بالنسبة لمصر سيكون صعبا ذلك ان كل النقصان في المياه بمقدار مليار متر مكعب يؤدي إلى فقدان 200 ألف فدان ومعيشة مليون مواطن( متوسط خمسة أشخاص يعيشون على المحصول الناتج عن الفدان الواحد) ناهيك عن تزايد معدل تراكم الأملاح في الأرض الزراعية في دلتا النيل بشكل كبير وهو ما سيؤثر على خصوبة التربة.                                                                      

أيضا تقول بعض الدراسات أن تراكم الطمي داخل بحيرة سد النهضة نتيجة لعدم وجود فتحات كافية عند القاع لتمرير المواد الرسوبية سيزيد من احتمالات انهياره.. نعم انهياره ؟!هكذا قال احد الخبراء فى (المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية) وهذا الكلام يستبعده خبراء أخرون. 

رغم تشديد لهجة الخطاب المصرى والسودانى فى الاعتراض والرفض فإن الباب لازال مفتوحا لكل الاحتمالات .. فالأمر يدخل فيه أبعاد استراتيجية وإقليمية ضخمة .                                                                                                     

 سيكون هاما هنا أن نعرف بأن مصر التى يجرى بطولها(النهر الخالد) تقع ضمن قائمة أفقر 30 دولة في العالم من حيث المياه .. حيث نصيب الفرد من المياه العذبة 660 م لكل شخص (المعدل العالمى الصحيح 1000م).            

**** 

(يا ليتني موجة فأحكي إلى لياليك ما شجاني)هكذا قال صاحب (أغانى الكوخ) الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل للنيل الخالد .