الأحد، 22-12-2019
01:48 م
د. هشام الحمامي
كان من المفترض ان يكون تعداد المسلمين اليوم في الهند( 600 مليون )وهى نسبه كبيرة الى جوار نسبة الهندوس (800 مليون) ثم السيخ والبوذيين والمسيحيين ,, لكن بريطانيا العظمى كان لها رأى أخر فهذه البلاد تاريخيا يحكمها المسلمون وجزء كبير من تاريخها الحضارى كتبه وشيده المسلمون ,, ثم إن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية (1945)له تكوين استراتيجى جديد لن يكون فيه لــ (لإسلام الحضارى) كلمة نافذه ..فتم تشكيل العالم العربى على صورته الحالية(الدولة القطرية) وتم تقسيم الهند.. الى الهند وباكستان(1947) ولاحقا اقتطعت بنجلاديش من شرق باكستان(1971) .
منذ مجىء حزب(بهارتيا جاناتا) الى السلطة عام 2014 م ويتعرض المسلمين في الهند (200مليون)إلى عمليات اضطهاد مقصودة فرئيس الوزراء هو(ناريندرا مودي)وما ادراك ما (مودى) الهندوسى المتطرف وابن منظمة هندوسية متطرفة وذات طابع عسكرى (راشتريا سوايام سيفاك سانج)..جاء مودى للحكم بخطاب قومى متطرف وبتجربة إدارة مميزة وناجحة في ولاية(جوجارات) ذات الاغلبية الهندوسية والمشهورة بالعنف الطائفى بين المسلمين والهندوس,,والمدهش ان الماهتما غاندى (1869-1948 ) ومحمد على جناح( 1876- 1948 ) مؤسس باكستان ينحدران من هذه الولاية.
حاول (مودي) من اليوم الأول لحكومته التأكيد على (هندوسية الدولة) واظهار عداؤه للمسلمين فى الهند فتطاول على قانون الاحوال الشخصية الاسلامى وسعى من خلال تأجيج مشاعر البسطاء إلى بناء معبد هندوسي مكان مسجد تم تشييده من القرن الـ16 وإلى تغيير الوضع الدستوري للأغلبية المسلمة فى كشميروالتى كان ينص عليها الدستور الهندى (المادة370 )بل وتجرأ واعتقل قادتها السياسيين.
***
الايام الماضية طلبت حكومة (مودى) من البرلمان التصويت على قانون (المواطنة الجديد) والذى وافق عليه وسرعان ما وقعه الرئيس ( رام ناث كوفيند ) القانون يقول: (من الحقائق التاريخية وجود هجرة عابرة للحدود تحدث بشكل مستمر بين المناطق الهندية والمناطق التي تضم حالياً باكستان وأفغانستان وبنغلاديش.
يحدد دستور كل من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش دين كل منها,, نتيجة لذلك يواجه كثيرون ممن ينتمون إلى الهندوسية والسيخ والبوذية والجاينية والبارسية والمسيحية اضطهاداً على أساس الدين في تلك الدول(لم يحدث ذلك!) وسيتم منح حقوق المواطنة إلى أي شخص ينتمي الى هذه الديانات وجاء إلى الهند في 31 ديسمبر 2014 أو قبل ذلك، ولن يتم التعامل معهم كمهاجرين غير شرعيين طبقاً لمقاصد هذا القانون).بشرط الا يكونوا مسلمين.
هذا هو القانون الذى سارع مودى الى اصدارة واخذ موافقه عليه من البرلمان ليكون واقعا قائما..أحد المسؤولين بالحكومة الهندية قال تصريحا بالغ الرذالة والسماجة والسخف إذ قال : السبب وراء عدم إدراج المسلمين ضمن الفئات المذكورة في القانون هو قدرتهم على اللجوء إلى الدول الإسلامية في مختلف أنحاء العالم!!!.
***
ألف شخصية هندية من نخبة ومثقفيى المجتمع الهندى وقعوا على بيان يدين القانون واتهموا حكومة (مودى)بإثارة القلاقل والاضطرابات داخل المجتمع الهندي.. واضافوا : لقد ولدت الهند كدولة من رحم حركة الاستقلال وهي دولة تتطلع إلى التعامل بمساواة مع جميع المواطنين باختلاف أديانهم ..وهذا القانون انفصالاً جذرياً عن هذا التاريخ وسوف يمزق نسيج البلاد القائم على التعددية...
عدد من اعضاء البرلمان الهندى اصدروا بيانا أيضا وقالوا: هذه إهانة للمبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز الديني المنصوص عليها في دستورنا واعتداء شامل على فكرة الهند ذاتها التي دفع أجدادنا حياتهم ثمنا لها.
لقد قال المهاتما غاندي وجواهرلال نهرو بوضوح أن الدين لا علاقة له بالوطنية... ونتج عن فكرتهم بلد حر يعيش فيه الناس من جميع الأديان والطوائف واللغات...إن الآثار الدستورية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية المترتبة عن خيانة حكومة مودي لهذه الفكرة الأساسية عميقة.
بهذا القانون ستتمكن السلطات من تهميش أي مسلم هندي غير قادرعلى إثبات أصله في الهند... العديد من السكان في الهند ليس لديهم أدلة وثائقية تثبت مكان ولادتهم ولم تنتشر شهادات الميلاد إلا في العقود الأخيرة ... في حين أن غير المسلمين سيحصلون بفضل هذا القانون على تصريح دخول مجاني فإن نظراءهم المسلمين من ابناء الهند الذين لا يحملون وثائقا رسمية سيتحملون فجأة مسؤولية إثبات انتماءهم للهند.!! ما يحدث ويترتب على هذا القانون هو تقسيم لروح الهند.
وقالت رئيسة حزب المؤتمر الوطني سونيا غاندي تعقيبا على صدور هذا القانون :اليوم يعد يوماً أسود في تاريخ الدستور الهندي ... يمثل تمرير قانون المواطنة انتصاراً لقوى ضيقة الأفق ومتعصبة على التعددية في الهند ويتعارض في جوهره مع فكرة الدولة الهندية التي ناضل أجدادنا من أجلها ويقيم بدلاً منها دولة مضطربة.. مشوهة.. منقسمة على نفسها إذ سيصبح فيها الدين عنصراً محدداً للقومية.
المظاهرات اندلعت في أغلب الولايات الهندية ردا على هذا القانون وكان رد حكومة مودى بالغ القسوة والشراسة فأعتقل ما يقرب من 1500 مواطن وقتل ما يقرب من 20 في انحاء متفرقة من البلاد وقالت الحكومة انها لن تتراجع عن القانون .
***
لم نسمع أن جهة اسلامية غير(الأزهر الشريف) علقت على هذا القرار فاصدرت المشيخة بيانا قويا قالت فيه : دولة الهند التي كانت مثلا في التعددية الدينية وقبول الآخر ويقطنها 200 مليون مسلم يمثلون نحو10% من إجمالي سكانها، في واحدة من أكبر تجمعات المسلمين حول العالم ,, أصدرت قانونا تضمن إقصاء المسلمين مقارنة بإخوانهم من الديانات الأخرى,, هذا التمييز الديني غريب على الهند وتاريخها ,,إن هذه القوانين تروج بشكل مباشر وصريح لظاهرة الإسلاموفوبيا وتخل بمبدأ المواطنة وتقف حاجزا ضد تحقيق الإخوة الإنسانية والعيش المشترك.
أيضا اصدرت اللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم بيانا قالت فيه: أن هذا القانون يتعارض مع التاريخ الهندي الثري والزاخر بالتعددية والعلمانية ، ومخالف للدستور الهندي.. ودعت إلى ضرورة نظر الحكومة الأميركية في فرض عقوبات ضد الحكومة الهندية .. لكن المثير للدهشة والاحترام هو الغاء رئيس وزراء اليابان زيارة الى الهند كانت مقررة يوم 15/ 12 الماضى .
***
بدأ الاسلام يقترب من شبه القارة الهندية(الهند وباكستان وبنجلاديش ونيبال والمالديف )على نطاق ضيق من وقت الفاروق عمر رضى الله عنه ,, إلا أنه في العهد الأموى بدأت الأمور تأخذ بعدا استراتيجيا واضحا وتولى تلك المسألة الحجاج بن يوسف الثقفي(660 – 714م) لكن الحملة التى قادها الشاب محمد بن القاسم _ كان لديه 17 عاما وقتها _ اسفرت عن نجاح كبير و فتح بلاد السند عام 712 م واستمرت الحملات من ذلك الوقت حتى الدولة العباسية الاولى(750 – 847م) ..وكان طبيعيا ان يقبل الهنود على الاسلام لما فيه من مساواه ووضوح في العقيدة والايمان ..اذ يكفى أن نعلم ان طبقة البراهمة التى كانت تتحالف مع الملوك كانت تعتبر نفسها من طبيعة أخرى غير طبيعة الشعب ويحتقرون العوام والدهماء ومشهورة طبقة( المنبوذين) التى تحوى شريحة كبيرة من الشعب.
كثير من المفكرين والكتاب الهنود يحذرون من الخطاب الايديولوجى لحزب(بهارتيا جاناتا) ورئيسه المتطرف الذى يحمل رسائل كراهية وعنصرية وتفريق للمجتمع الهندى ..هذا الرجل على فكرة كان أول رئيس وزراء هندى يزور اسرائيل في تاريخ الهند كله (عام 2017),, وهو يريد للهند أن تكون دولة دينية لا دولة وطن ومواطنين متساوين وهو نفس تفكير نيتينياهو في ان تكون اسرائيل دولة يهودية لا دولة وطن ومواطنين لليهود والمسلمين والمسيحين.. المدهش ان الاثنين يتوجهون بخطابهم هذا في بلادهم ضد المسلمين .. والأكثر دهشة هو موقف العالم العربى والاسلامى! .