السبت 27 أبريل 2024
توقيت مصر 02:03 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

«بلطجة» فى قلب النيل

«بلطجة» فى قلب النيل

الخارجون على القانون يفرضون نفوذهم على أماكن الصعيد فى الصعيد بقوة السلاح

صيادون يعملون فى ظروف صعبة لساعات طويلة: العيشة بقت مرة.. وعايشين بالعافية

مناشدات إلى الأمن للقبض على «البطلجية» الذين حولوا جزر النيل إلى مناطق خارجة عن السيطرة

حياة معدومة ومهمشة تختلف عن حياة الكثير منا, أشخاص لا يهابون ظلمة الليل المخيف ولا برودة الجو والصقيع، خرجوا من منازلهم بحثًا عن الرزق ولقمة العيش في المياه الباردة، حيث مصدر رزقهم وقوت أولادهم، من أجل الحصول على رزقهم من الأسماك.

مهنة قد يرفضها العديد منا, لصعوبتها وبسبب مخاطرها، خاصة وأن العمل في وسط النيل خاصة في صعيد مصر، حيث اعتادوا رؤية الجثث الغارقة التي تمر بجوار مراكبهم أو أثناء تعلقها شباكهم، وقد يشعرون بأن حياتهم أوشكت على الانتهاء حين يمرون بجوار جزيرة تؤوى مجرمين أو بسبب إطلاق النار في جرائم الثأر.

مهنة قد تكون غير آمنة بسبب ما يتعرض له بعض الصيادين داخل نهر النيل، إلا أنها مهنة لا بديل لها لهؤلاء الصيادين الذين يعملون بها؛ بحثا عن الرزق.

"المصريون" ترصد معاناة الصيادين وما يتعرضون له أثناء عملهم في قلب النيل, مناشدين المسئولين التدخل لإنقاذهم من البلطجية الذين يهددونهم بالسلاح خلال عملهم.

يقول الريدى محمد وهو من قرية شطورة بمحافظة سوهاج، والذي يمتهن الصيد في النيل، إن هذه المهنة لم تعد كما كانت فى السابق تكفى لسد احتياجاتهم المعيشية، بسبب التضييق عليهم من بعض الصيادين الدخلاء على المهنة والبلطجية، الذين أصبحوا يسيطرون على المياه جنوبًا وشمالاً وشرقًا وغربًا داخل النيل.

يضيف الريدى - الذى يبلغ من العمر 30 عامًا- وهو متزوج ولديه ابن، إنه يعمل فى صيد الأسماك منذ أن كان طفلاً مع والده وإخوته، حيث إنه يعتبر نفسه تربى داخل الماء، وعلى مدار سنوات عمره لم يفارق هذه المهنة، إلا أنه يشكو الآن من أنها لا يمكنها أن تفتح بيتًا بسبب فرض السيطرة على مياه النيل من قبل البعض الذين يحرمون الصيادين من الصيد في الأماكن التي تشتهر بوجود الأسماك فيها.

وأشار إلى أنه يخرج من بيته إلى عمله في النيل قبل صلاة الفجر من كل يوم وحتى قرب أذان العشاء، وفى بعض الأحيان حينما يكون صيد الأسماك قليلاً ينام داخل المركب، ولا يعود إلى البيت حتى اليوم التالي، هو ومن معه حتى يوفروا قوت أولادهم من عملهم الشاق.

وأشار إلى أن دخل الصياد في اليوم الواحد من بيع الأسماك لا يتجاوز 70 جنيهًا، يتراجع في بعض الأيام إلى 40 جنيهًا، في حين أنه يعمل على القارب 5 أشخاص، وفي بعض الأحيان يقضون الليل كاملاً داخل المياه، سواء في الصيف أو الشتاء.

أماكن بوضع اليد

ربما نسمع عن مناطق نفوذ، الغريب أن هذا أيضًا يمتد إلى النيل الذي يجرى بطول مصر من الجنوب إلى الشمال، حيث مياهه مقسمة، هناك أشخاص يسيطرون على مناطق معينة تكثر فيها الأسماك بوفرة أكثر من غيرها, ممنوع على أحد غيرهم الاقتراب منها.

وأشار الريدى إلى أن تلك المناطق غالبًا ما يسيطر عليها بعض الخارجين عن القانون، الذين يقومون بالاصطياد فيها ليلاً ونهارًا، ويتم فرض الأمر بقوة السلاح.

أماكن خطرة  

في الفترة الأخيرة، لجأ الخارجون عن القانون والمحكوم عليهم بأحكام مشددة، وربما الهاربون من أحكام الإعدام إلى الجزر الموجودة وسط النيل، حتى لا تصل إليهم يد الشرطة، ومؤخرًا تم القبض على أحدهم محكومًا عليه بالإعدام, أثناء بيعه الأسماك على شاطئ النيل, بعد نصب رجال الشرطة كمينًا له.

وأوضح الريدى, أنه أثناء مرور الصيادين بجانب الجزر النيلية، يتم إطلاق الطلاق النار عليهم من قبل الخارجين على القانون الذين يستغلون الطبيعة الجغرافية لتلك الجزر المليئة بالأعشاب في الاختباء بها، ويكون بحوزتهم "لانش" سريع للهروب من الشرطة أثناء مداهمة أوكارهم.

انتشال الغرقى من داخل المياه

لا يقتصر عمل الصيادين على صيد الأسماك فقط، بل هناك أشياء أخرى يقومون بها، بدافع إنساني، حيث يقومون بانتشال الغرقى من قلب النيل.

ذكريات كثيرة مر بها "الريدي"، كلها مختلفة عن بعضها، خاصة أن معظم عمله يكون تحت جنح الظلام، والذي قال إنه لطالما مر قارب الصيد بجوار شخص غريق أو تعلق الشبكة به، والأكثر خوفًا أثناء عندما يتم انتشاله وتسليمه إلى أهله.

وأشار إلى أنهم يعملون في مساعدة أهالي ضحايا الغرقى في النيل، وغالبيتهم من الأطفال والشباب، لكنه يعترف بأنه أثناء مرورهم بشخص غريق غير مبلغ عنه يتركونه خوفًا من المساءلة القانونية أو اتهامهم بقتله، أو لربما يكون الشخص الغريق معتدى عليه من قبل آخرين في جريمة ثأر أو ما شابه.

رؤية حيوانات مفترسة وأشباح

ربما تكون رؤية الحيوانات المفترسة أمرًا عاديًا ومقبولاً بالنسبة للإنسان, أما رؤية الأشباح والعفاريت أمر مخيف لدى البعض, لافتًا إلى أنه في بعض الأحيان يرون ذئبًا خارج المياه، ولا يجرأون على الخروج في وجوده أو ربما يرون أشياء أخرى على هيئة أشباح, كما أن نهر النيل لا يخلو من حيوان "الورل" ولكنه حيوان غير مؤذٍ للإنسان.

لم تعد مهنة الخير الوفير

فى السياق، يقول "الحاج محمد" وهو من أبناء "شطورة" أيضًا, يبلغ من العمر 50 عامًا، إن مهنة "الصيد لم تعد مهنة الخير الوفير كما يظن الناس، بسبب العوامل التي أثرت على الصيد، سواء نتيجة تلوث مياه النيل، ما يتسبب في نفوق كميات كبيرة من الأسماك، أو هروبها، أو بسبب إنشاء المزارع السمكية".

وأشار إلى أن تلك المهنة بالوراثة, لافتًا إلى أنه ورثها عن آبائه وأجداده، حيث إنه قضى معظم عمره وسط النيل؛ "والذي في السابق لم يكن ملكًا لأحد بعكس هذه الأيام، حيث إن كل منطقة يتم فرض السيطرة عليها من قبل مجموعة يعتبرونها ملكًا لهم، وعند رمى المشبك نتعرض للسب، وربما الضرب والتهديد بالسلاح, ما جعل حصيلة الصياد فى اليوم من السمك تتراوح بين 4 و5 كجم على أقصى تقدير".

وذكر "الحاج محمد"، أنه يخرج في الصباح الباكر ليقضى يومه بالكامل فى النيل هو ومن معه، لافتًا إلى أنه يمتلك قاربًا صغيرًا يمكن أن يحمل 5 أفراد، وعلى الرغم من أن حجمه غير كبير فإنه يحمل كل ما يحتاج إليه فى معيشته من مياه وأكل وموقد للتسخين وحتى "الشيشة"، لافتًا إلى أن "الحياة في النيل تختلف كليًا عن الحياة وسط الزحام، لكن الأمور اختلفت الآن عن السابق".

على القارب نفسه يصطحب الصيادون أولادهم الصغار لتعليمهم المهنة حتى يتمكنوا من إيجاد فرصة عمل والاعتماد على أنفسهم فى المستقبل، ربما قد تعينهم على المعيشة ومواجهة الحياة الصعبة مستقبليًا، خاصة أنه لا توجد فرص عمل فى القطاع الحكومى حتى بالمؤهل الدراسي.

وأشار الطفل "محمد حسن" إلى أنه يدرس وفى الوقت نفسه يتعلم المهنة التى يحلم أن تكون مهنة مجزية فى المستقبل تساعده على فتح بيت وتوفر مأكله ومستلزمات منزله.

وأكد أنه يخرج مع أقاربه يوميًا دون النظر إلى المال بقدر أنه يكون صاحب مهنة, موضحًا أنه من الممكن أن يكون نصيبه فى اليوم 20 جنيهًا, وأحيانًا يتركها لوالده لإنفاقها على إخوته.

مَن يملك السلاح يسيطر

من جانبه، قال على أحمد الريدي، الذى يبلغ من العمر 20 عامًا، إن الصيادين يتعرضون في سبيل الحصول على 5 كيلو سمك أو ربما أقل لمضايقات أثناء وجودهم بالماء.

وأشار إلى أنه "من المفترض أن يقسم النيل إلى نصفين؛ الجانب الشرقى يكون ملكًا لأهل قرية "قاو" التابعة لمركز البدارى بأسيوط والقرى المجاورة، وذلك بطول نهر النيل, والنصف الغربى يكون تابعًا لسكان الجانب الغربي, لكن ما يحدث أن كل من يملك السلاح يسيطر على النيل بالقوة".

وأوضح أنهم "تعرضوا مرارًا لمضايقات من قبل هؤلاء الأشخاص الذين يفرضون سطوتهم على مناطق الصيد في النيل, وفى كل مرة نذهب لعمل محضر في شرطة المسطحات المائية، لكن دون تدخل, ما جعلنا نسلم ونرضى بالأمر الواقع, من أجل تجنب المشاكل مع الآخرين", مطالبًا بتدخل رادع من قبل الجهات الأمنية لوقف الاحتكار داخل مياه النيل.

"ادفع عشان تعدي" إما القارب وإما السمك

"ادفع عشان تعدي" أصبحت جواز السفر للمرور والعبور بسلام خاصة فى الأماكن الخطرة سواء كانت خارج الماء أو حتى بداخلها، فلا أحد يتوقع أنه بعد قضاء يوم بأكمله أو ربما أكثر داخل المياه أن يكون ما تم اصطياده بعد تعب وعناء من نصيب غيره، بالسيطرة على نصيبهم من الرزق بالقوة, وربما الاستيلاء على القارب.

وشرح الريدى: "من الممكن أثناء مرورنا بجوار جزيرة يوجد عليها لصوص وقطاع طرق, أو ربما دخل منطقة صيد تخضع لنفوذ أحد الصيادين, ما يضطرنا لأن نترك له الأسماك حتى يتركنا نعود أذى إلى بيوتنا".

وأشار الريدى إلى أن البلطجية معروفون بالاسم وهم: "ز. ع" وشقيقه "ض", و"ع. إ", و"أ. ع" وشقيقه "ع", و"ع. ع" و"أ. م" الذى أصيب بطلق نارى أثناء محاولة القبض عليه من رجال الشرطة, لافتًا إلى أن هؤلاء صادر بحقهم أحكام متنوعة ما بين سرقة وقتل وتجارة مخدرات وسلاح، وهم من قرية "قاو النواورة" التابعة لمركز البدارى أسيوط.