الجمعة 26 أبريل 2024
توقيت مصر 15:56 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

قصة الأعرابي الذي قال لو حاسبني ربي لأحاسبنه "كاذبة"

أعرابي- أرشيفية

لقد أخذت حيزًا من الكلام والوقت، حتى صارت عقيدة لا يستطيع أن ينازعنا فيها أحمد، ولم نر أصلا أحدا أوقفنا وقال إن هذه القصة غير صحيحة أو أنها ليس بها أدب مع الله عز وجل، فهى قصة شهيرة كعلم فوقه نار، سمعناها من الخطباء والمدرسين والآباء والمعلمين، وكلما سمعناها بكت أعيننا من تأثير الكلام وحلم النبى صلى الله عليه وسلم على هذا الأعرابى، بل وبكائه صلى الله عليه وسلم، وإليكم القصة المختلقة والمكذوبة بالتفصيل:

 "بينما النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى الطواف إذا سمع أعرابيًا يقول: يا كريم، فقال النبى خلفه: يا كريم.. فمضى الأعرابى إلى جهة الميزاب وقال: يا كريم.. فقال النبى خلفه: يا كريم، فالتفت الأعرابى إلى النبى وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق أتهزأ بى لكونى أعرابيًا؟ ‎

والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك لشكوتك إلى حبيبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فتبسم النبى وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابى: لا.. قال النبى: فما إيمانك به؟  قال: آمنت بنبوته ولم أره وصدقت برسالته ولم ألقه..

قال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أعرابى اعلم أنى نبيك فى الدنيا وشفيعك فى الآخرة، فأقبل الأعرابى يقبل يد النبى صلى الله عليه وآله وسلم.. فقال النبي: مهلا يا أخا العرب، لا تفعل بى كما تفعل الأعاجم بملوكها، فإن الله سبحانه وتعالى بعثنى لا متكبرًا ولا متجبرًا، بل بعثنى بالحق بشيرًا ونذيرا..

فهبط جبريل على النبى وقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل للأعرابى لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا، فغدًا نحاسبه على القليل والكثير والفتيل والقطمير.. فقال الأعرابي: أو يحاسبنى ربى يا رسول الله؟ قال: نعم يحاسبك إن شاء..

فقال الأعرابي: وعزته وجلاله، إن حاسبنى لأحاسبنه..

فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟

قال الأعرابى: إن حاسبنى ربى على ذنبى حاسبته على مغفرته وإن حاسبنى على معصيتى حاسبته على عفوه وإن حاسبنى على بخلى حاسبته على كرمه، فبكى النبى حتى ابتلت لحيته، فهبط جبريل على النبى وقال: يا محمد السلام يقرئك السلام، ويقول لك:

يا محمد قلل من بكائك فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم وقل لأخيك الأعرابى لا يحاسبنا ولا نحاسبه فإنه رفيقك فى الجنة".

وإليك تفصيل كذب القصة واختلاقها:

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك، فلا أصل له.

فهذا الحديث لا أصل له، ولا تجوز روايته، لأنّه مكذوب على النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه غير موجود فى كتب السنة أصلا، فضلا عن ألفاظه الركيكة، ونكارة متنـه فالعبد لا يخاطب ربه بهذا الخطاب المنافى للأدب، وما كان النبى صلى الله عليه وسلم ليقـر قائلا عن ربه (لئن حاسبنى ربى لأحاسبنه)، ذلك أن العبد لا يحاسب ربه، قال تعالى (لا يٌسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُوُنْ)، ولهذا فحتى الرسل يوم القيامة يقولون تأدبًا مع الله: ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ).

والعبـد يسأل ربه عفوه وكرمه، ولا يحاسبه على شيء، ومع ذلك فلا يدخل أحدٌ الجنة إلا برحمة الله،  لايدخل أحدٌ بعمله،  كما صح فى الحديث،  فالعبد فى حال التقصير دائمًـا بمقتضى عبوديته،  والرب هـو المتفضل الرحمن الرحيم بكمال صفاته،  ولهذا ورد فى حديث سيد الاستغفار أن يقول العبـد: (أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لايغفر الذنوب إلا أنـت) متفق عليه .

أبوء: أى أقـرّ وأعترف بنعمك العظيمة التى قابلتها بالتقصير والذنب .

 

والصحيح أن يقول العبد: إن حاسبنى ربى على ذنوبى، رجوتُ رحمته وسألته مغفرته، فإنى العبد الخطّاء وهو الرب الرحيم العفو الغفور.

وإن حاسبنى على بخلى، سألته أن يمن على بكرمه وتجاوزه، فإنى مقر بذنبى وهـو الجواد الكريم المنان، فمن أرجو إن لم أرجوه، ومن ذا يغفر الذنوب سواه، ومن أكرم الكرماء غيره سبحانه، أو نحو هذا من القول الذى فيه الإقرار بالعبودية والذنب، فى مقام السؤال والتوسل والتذلل لله تعالى الخالى من خطاب التحدى المنافى للأدب.