الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
توقيت مصر 08:53 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الحضور الغامض للجريمة في مصر

محمد الخضيري
الإجراءات الحكومية والمجتمعية لا ترقى لهذا المستوى الذي وصلت له الجريمة الفردية، كمتابع للأحداث لا أرى محترفين يدققون في الأسباب الحقيقية للتهديد الذي تمثله الجريمة الفردية بشكلها الحالي، نعم.. هناك أسباب عميقة لا يرغب أحد في مناقشتها "خلي الطابق مستور"!، فالجميع خائف من مجرد الحديث عنها.
وغالباً لا أحد يستمع للقصص التي تأتي من بلدان أخرى لتحكي عن عمليات تمت بالفعل لإخماد جرائم مجتمعية متكررة وطفرات سلوكية وفيروسات أخلاقية في عدة دول تمت السيطرة عليها، فالدول  تبحث في تطوير "السلوك الجمعي"، وخصوصاً عندما ترتفع معدلات الجريمة كما نراها في مصر على وجه الخصوص، وزيادة معدلها وتنوعها وتكرارها، لكن للأمانة أقول أن أي أبحاث أو دراسات لن تستطيع اكتشاف الثغرة التي يدخل منها الشيطان إلى عقول الناس فيجعل أحدهم يلقي بالشباب من القطار، والآخر يقتل شقيقته والشاب المدمن الذي يقتل والده، وكأنهم لم يسمعوا عن الرحمة والتراحم فكل شىء من حولهم قاسي وخشن.


وكيف ينبع "التراحم" وقد امتلئت الصحف بتصريحات لمسؤولين كبار ينادون (بإخلاء الساحة تماماً من أي انتقاد أو نصيحة واللي مش عاجبه يسافر بره) بجانب "برامج التوك شو" على قنوات شبه حكومية ومعارضة في الخارج تقوم بالتحريض ونشر الكراهية المجتمعية والشتم والقذف والتخوين المتبادل والذي لا يتوقف لمدة يوم واحد فقط، أما المسلسلات والأفلام فقد سحقت قلب الأسرة المصرية بقصص عن الإنتقام بين الأزواج والعنف والجريمة بين الأبناء، من أين تأتي الرحمة بين المصريين وقد أصبح قدوتهم فنان يحمل السيف وآخر يعقر الخمر علانية، والعجب العجاب هو الدعم الرسمي الذي يتلقاه أحدهم رجال دولة محترمين، مما يظهر حقيقة جلية بأن المستوى الثقافي لبعض الوزراء مضمحل، ولا يدركون الفرق بين ما هو مفيد وما هو غير ذلك.


إن قضية الكمسري الذي ألقى بالشباب هي قضية تعبر بمعنى الكلمة عن كل شىء يحدث حولنا"، فقد أصبح من لا يعجبنا أو يختلف معنا يلقى من قطار الوظيفة أو قطار العائلة أو قطار الوطن إما بوشاية أو بجور وظلم، فمنهم من تكسر نفسه ومنهم من تكسر كرامته ومنهم من تكسر عظامه تحت القطار.
من أين يستقي الناس الرحمة والتراحم في المجتمع المصري، والمواطن لا يرى قدوات ورموز تتغافر وتتسامح فيما بينها، ثم نتعجب (كيف ظهر هذا الكمسري)؟!..  يا جماعة ماحدش قلب القفص وشاف اللي تحت !
يا جماعة إذا لم يتسامح الكبار، فكيف يتسامح الناس فيما بينهم، فكل مخالف يرى المكان الأمثل لخصمه في غيابات الجب وقعر النسيان، هذه ما يحدث عندما يبرز الخلاف في بلادنا.. في بيوتنا في سياستنا الداخلية.. "أيوا دي الحقيقة"!


كيف يمكن مقاومة هذا الشكل الأحمق والغامض للجريمة في مصر، هناك عدة نقاط أريد تسليط الضوء عليها لبيان بعض الأسباب والحلول لمجابهة الجريمة البشعة والمتكررة ومقاومة "موجة الشر" والتي أرى لها أسباب مادية وروحية ونفسية..


برامج سياسية وإعلامية لنشر وتسويق "التراحم بين الناس": وهذا التراحم لن يأتي بخطب الجمعة وجهود المؤسسات الدينية بقدر الحاجة إلى مواقف عملية وتحرك إيجابي من الكبار حتى ترقق قلوب الناس وتغرس بينهم التسامح والتغافر.


ثنائية الفقر والبطالة: أكثر الجرائم المتكررة تأتي في بيئة ينقصها احتياجات أساسية وظروف قاسية ونفوس أكلها الفقر والعوز والحاجة، وأرباب البيوت دون دخل ثابت، وشباب يعانون من البطالة، لذلك فإن الأولويات دون تردد أو فلسفة تكمن في إيجاد الطرق والوسائل لسد هذه الثغرات بشكل عاجل مع تقسيم المحافظات وخلق فرص خاصة لأبناء كل محافظة منفصلة عن الأخرى على أن تكون التنمية رأسية وليست أفقية، وهو ما يحدث طفرات زراعية وصناعية في هذه المواقع، وعلى الدولة أن تبذل قصارى جهدها في هذا الإطار.
 
 
علاج فقدان التوازن: تحقيق التوازن في المجتمع لا يعني تطبيق الإشتراكية منزوعة الدسم، ولا يعني أن يؤخذ من الأغنياء عنوة لصالح الفقراء، ولكنه التوازن بمعناه الأوسع والذي يساعد الجميع على الإلهام وتذوق الجمال وزيادة الإيمان، وفهم الحقيقة المجردة لكل الأشياء، هذا التوازن الذي يغلق الثغرات في وجه الأعداء والأشرار، ويسقط أقنعة المنافقين، ويثبت أن الروح المعنوية للمواطن هي مصدر الحياة ولابد من لملمة جراحها والحد من تشويهها عبر وسائل الإعلام، هذا الإعلام الذي يرتدي أقنعة مختلفة ليبرر أخطاء حكومة بعينها أو يدافع عن معارضة لا ملامح لها، وهذا "المذيع الوطني" الذي يدخل في منافسة مع الناس لإنكار الحقائق الصادقة وتغيير مسارها الطبيعي وهو ما يزيد القلق وينزع البركة.


زرع بذور المبادىء الراسخة: الناس لا تعرف ما هي "المبادىء الراسخة" التي يحتمي بها الوطن وتميزه عن باقي البلدان الأخرى، تلك المبادىء التي تتحول إلى سلوكيات لتصبح سمة لأهل البلد يعرفها السائح والزائر، فيقال عن شعب بعينه أنه "يقدم المساعدة مهما كانت الظروف"، وهناك شعوب لا تخذل ضيفها، وأخرى تلتزم بالقانون،


القضاء على "داء التخوين": فقط الشعوب المتخلفة التي ينتشر فيها كلمة "خائن وعميل" أما الدول الراقية تعمل دائما على تحجيم الإتهامات، كتجريم اتهام الخيانة وترسيخ الانتماء للدين والوطن عبر القصص القصيرة والموضوعات الرائجة في الصحف، ومجابهة الشائعات ومعاقبة المروجين لها في برامج التوك شو، التثبت والتبين من مواد الصحف، وتكون هذه البداية عبر رقابة على الافتراءات المتبادلة والتي يقلدها الشعب تلقائياً".. وهذه المبادىء تحتاج إلى وقت لترسيخها وتحتاج إلى أحداث متنوعة وشخصيات ومواقف، فالدولة مسؤولة عن تربية الناس و تعليمهم وبث روح التسامح والخير في نفوسهم، والإعلام هو الأداة الرئيسة.



[email protected]
WWW.ELKHODIRY.COM