الأحد، 17-01-2021
01:13 م
علينا أن نشكر
ترمب كثيرا على ما أتاحه لنا من إكتشاف ومعرفة كثير من الخوافى والخفايا التى فى
أمريكا وفى
الغرب بل وفى
العالم كله من حيث أنه حين تعطس
أمريكا يصاب
العالم كله الزكام ..وهذه إحدى حقائق عالم ما بعد الحرب
العالمية الثانية وإحدى حقائق انهيار الاتحاد السوفيتى الذى أراد حكامه وفلاسفته إعادة إنتاج الإنسان والطبيعة ففشلوا_ فى الحقيقة_ فشلا فشيلا للغاية ..لكنه كله كوم وما فعله
ترمب وأنصاره يوم 6يناير الماضى بإقتحام الكونجرس كوم أخر..
والحقيقة أن هذا الموقف تحديدا يفتح لنا أفقا واسعا للتساؤل حول هواية الطبيعة البشرية فى تكرار أخطائها بطريقة مؤسفة وهو ما جعل البعض يصك هذا التعبير السخيف(التاريخ يعيد نفسه) والأصح والأوسع منه فى الدلالة هو أن
الانسان يعيد أخطاؤه ..لماذا ؟.. هذا هو السؤال الأكثر حيرة فعلا .. ينسبون الى كارل ماركس(1818-1883م) مقولة:ان التاريخ لا يعيد نفسه وإذا فعلها فانه يكررذلك بطريقة هزلية.. ولم يدلل لنا المأسوف على فلسفته بمثل تاريخى حول النفى الأول والإثبات الثانى ..
ما رأيناه وعرفناه هو أن الإنسان يعيد أخطاؤه ببساطة وبدون فلسفة وتنظير لسبب بسيط جدا سبقهم إليه أبو العلاء المعرى(973 -1057م) الذى قال : من ساءه سبب أو هاله عجب **فلى ثمانون عاما لا أرى عجبا. الدهر كالدهر والأيام واحدة **والناس كالناس والدنيا لمن غلب .. لكن ماذا عن هواية الطبيعة البشرية فى تكرار أخطائها ؟هنا الكلام..كل حكماء الدنيا تركوا لنا سطرا مكتوبا ..سطرا واحدا فقط يقول(لا تدخل من باب لا تعرف كيف تخرج منه ..) ومع ذلك رأينا الكثير من البشر يكررون نفس الخطأ بتكرار مضحك للغاية .. ولا تسأل عن السبب ففيما يبدو أن ذلك مكنون فى طينة البشر ؟
****
لن نذهب بعيدا فى أحداث التاريخ الكبرى والتى سئمنا من تكرارها .. ولكن دعونا نتأمل تأملا بسيطا فى حياتنا الإجتماعية وإصرار كل شخص على(شرب كأس السم للتجربة ..)!! تجربة ما إذا كان كأس السم بالفعل يسبب الموت أم أن الناس يتداولون هذه المعلومة بسبب ضعفهم وجهلهم .. فيما أنا لست كذلك مثلهم؟!! .. لم يسأل صاحبنا عن صاحب(الجثة)الملقاة أمامه والذى شرب السم منذ قليل ليجربه.. فكانت النتيجة ما كانت..وهكذا دواليك الخ الخ الخ ..على رأى الأستاذ فؤاد المهندس فى إحدى مسرحياته.. ليشرب صاحبنا كأس السم ليجربه وما أن يفعل ..حتى يرقد بجوار صاحبه الذى لم يتعظ من تجربته..مخليا مكانه لثالث يأتى ليكررنفس التجربة .. رأينا الظالم الذى يظلم الناس ويبغى عليهم فيما يحذره الناس من العواقب الوخيمة لظلمه.. ولم يتعظ ..رأينا الإبن العاق الذى يحذره الناس مما سيفعله إبنه مما فعله هو مع أبيه..ولم يتعظ ..رأينا الأخ الذى يحرم إخوته من الميراث ليثرى هو وأولاده فيحذره الناس من غيره سبقه فى ذلك فخسر ماله وأولاده..ولم يتعظ . رأينا العجب الذى يكرره الإنسان فى تكرار كرير كرا ما بعده كر ..هذه نماذج بسيطة من حياتنا وحياة من حولنا رأيناها وسمعناها ..والتاريخ ما هو إلا حكايات البشربمختلف أدوارهم صغيرة أم كبيرة ..هتلر سنة (1941م) كرر نفس خطأ نابليون سنة (1812م) فى غزو روسيا !! وهٌزم الاثنان.. صدام كرر فى غزو الكويت سنة (1990م) نفس خطأ من غزا اليمن سنة ( 1962م )ليخرج الإثنان من الدنيا والتاريخ بعد أن كبدا أوطانهما وشعوبهما أسوأ مكابدة .. فكانت 5 يونيو 1967 م وكانت 9 إبريل 2003م.
****
ما بدأه
ترمب من يوم هزيمته فى الإنتخبات وإلى يوم إقتحام الكونجرس 6يناير..هل كان يعرف كيف سينتهى ؟ أم أن هناك جهة ما غررت به ؟ لتودى به إلى حتفه وتنهى تماما قصة وجوده فى السياسة الأمريكية ؟ ليس كشخص بل كفكرة ..ولا أقصد فكرة العنصرية والتطرف اليمينى فهى لن تنتهى ..إنها بدأت..و
أمريكا تسير بالفعل فى مسارالانقسام والتفكك .. والصين تنظر الى ذلك المشهد بصمت وهدوء بالغين منتظرة تلك الساعة التى ستتقدم فيها بأوراق جديدة تحكم عالم جديد ..وسيصبح(اليوان) الصينى العملة التى تتم بها حركة التجارة
العالمية ..
الفكرة التى أقصدها هى تحدى النخبة القوية والصفوة المغلقة فى
أمريكا ..وهو تحدى خطير..وما إغلاق وسائل التواصل الجماعى (فيسبوك وتويتر وانستجرام)لحساباته إلا إعلانا واضحا لتجديد تلك النخبة لنفسها من داخل نفسها ..هو أتى من خارجها ويريد تحديها (يقولون أنه الرئيس الذى جاء بالغلط وسيخرج بالغلط.. وأصبح الرئيس الأول منذ 90 عاما الذي يخسر محاولة الاستمرار في الرئاسة لولاية ثانية والأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.. وختم حكمه بهذه الطريقة المريعة).
****
ما جمع
ترمب أصلا مع تلك النخبة هو عامل واحد فقط.. (المال)..المجتمع الحاكم في أميركا يضم رجال المال والسياسة والعلم وهم الذين يتولون رسم السياسة الأمريكية في كل جوانبها وهم اللذين يأتون بالرؤساء والنواب وكبار القادة فى أخطر الأماكن ..والمال وحده لا يكفى.. فعليك أن تصنع لنفسك مصادر قوة خفية وعلنية لتكون سندا لك ..ترامب أراد أن يتحدى هذه النخبة التى توحدت في مواجهتة.. وهو ما يظهر بقوة تجذر تلك النخبة والتيار الرئيسى الذي يمثلها.
ترمب الذي لم يكن في يوم من الأيام يعمل بالسياسة اخترع لنفسه(القوة) التى تحميه..إنهم الغوغاء أو العوام ما بين الجماعات الإنجيلية الصهيونية والجماعات اليمينية المتطرفة التى تحمل مشروعا مضادا للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ومعاداة الأجانب والهجرة.. وبحكم خلفيته الضحلة في كل ما سبق وسلوكه المائل للعنف تقبل بسهولة تلك الأفكار وأعطى هؤلاء ما يريدون ..التأييد التام لاسرائيل (نقل السفارة إلى القدس وضم الجولان مثلا) وأعطى اولئك الذين اعتبروا الأمة الأميركية هي أمة البيض فقط وأن الملونين من مختلف الأعراق هم في درجة أقل مرتبة داخل المجتمع الأميركي وأنهم وجدوا فقط ليكونوا خداما ..أعطاهم أيضا ما يريدون.. المتظاهرون اللذين دخلوا الكونجرس قالوا بشكل واضح إنهم لم يعودوا مؤمنين بالمؤسسات التي حكمت
أمريكا (النخبة).. وهؤلاء على فكرة ليسوا أقّلية .. إنهم نصف الناخبين ..ترامب قال لهم (لنزحف إلى الكونغرس كي نعطي جرعة قوية لعدد من الجمهوريين الضعاف).
****
منظر (
بيجو) زعيم الغوغاء الذى جلس على مقعد بيلوسى _رئيسة المجلس والعدو اللدود ل
ترمب_واضعا قدميه على مكتبها هو ومن معه من الغوغاء الذين كسروا النوافذ ودخلوا المجلس واحتلوا مكاتب النواب.. ألم يذكركم بمنظر الذين اقتحموا مجلس الدولة يوم 29/3/1954م وإهانتهم للدكتورالسنهورى وضربه بالأحذية بعد مظاهرات تندد بالحرية والديمقراطية شهدتها شوارع القاهرة تهتف بحياة والثورة والزعيم وتنادى بسقوط الأحزاب والنقابات والرجعية بل وبسقوط الدستور ومعه الحرية والديمقراطية كذلك..دعونا ننتقل بالمشهد 66 سنة..ونرى (ولقد كان المقتحمون اللذين دخلوا الكونجرس فى غالبيتهم ذوي هيئات غريبة إذ ارتدوا ملابس تشبه جيوش التتار من فراء وجلود دببة وعلى رأسهم قرون حيث أثاروا فزع رجال الشرطة أنفسهم..)..لكن الفارق بين 1954م فى مصر و2021م فى
أمريكا ..فارق كبير .
****
المفكر الأمريكى الأشهر(ناعوم تشومسكي)له كتاب بعنوان (سخط عالمي..حوارات حول التهديدات المتزايدة للديمقراطية) قال فيه : في
أمريكا لا يمكن لأحد الانضمام إلى النظام السياسي إلا بعد الموافقة عليه من(النخبةالمسيطرة) وإذا خرجت عن قواعدها وتحديتها خرجت من النظام(تذكروا إغتيال كيندى عام 1963م) وهكذا خرج
ترمب.. الذى دخل من باب لم يعرف كيف يخرج منه ..فأخرجوه هم ليس بأيديهم.. ولكن بحماقته ونرجسيته .
شكرا
ترمب ..شكرا
بيجو ..